جنوب سورية: الجيش الروسي يهدي الحدود للنظام

16 اغسطس 2018
قوات روسية على الحدود السورية الجنوبية (أندري بورودولين/فرانس برس)
+ الخط -

تشير معطيات خارطة توزع النفوذ في جنوب غربي سورية، هذه الأيام، إلى أن الجيش الروسي وسّعَ إحكام قبضته رسمياً هناك، سواء عبر نشر قواتٍ من شرطته العسكرية، عند حدود الجولان السوري المحتل، أو تأسيسه مجموعاتٍ عسكرية في درعا، تابعة له فعلياً، ومنضوية في "الفيلق الخامس"، الذي حاول الروس من خلاله مأسسة مُختلف القوى المُسلحة، سواء المليشيات التي كانت مساندة للنظام من دون أن تكون ضمن قواته رسمياً، أو مجموعة العناصر التي كانت، وحتى فترة قريبة، تُحسب على المعارضة.

وظلّت محافظة السويداء خارج هذه "التسوية" حالياً، إذ سعى النظام لإعادة تطويع كافة القوى فيها، مع إدخال نحو أربعين ألف شاب أُطلق عليهم لقب "متخلفين عن الخدمة العسكرية" في صفوفه. وبدت الصورة حالياً، في محافظتي القنيطرة ودرعا، أقرب إلى ما كانت عليه منذ سنة 1974 (سنة توقيع معاهدة فك الاشتباك)، ولحين سنة 2011، فقد أتمَ الجيش الروسي، منذ الشهر الماضي، وفي أعقاب حملةٍ عسكرية شرسة، توقيع اتفاقياتٍ عدة، مع مختلف القوى المسلحة المعارضة للنظام، التي كانت مسيطرة هناك، منذ ما بعد سنة 2011. بالتالي رضخ بعض هذه القوى لـ"التسوية" الروسية، فيما اختار رافضو الاتفاقيات الانتقال بعد تسليم سلاحهم الثقيل إلى شمال غربي سورية.

هذا الأمر أفضى إلى عودة انتشار قوات النظام، في كامل المحافظتين، بما في ذلك الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، وفق صيغة اتفاقية "فك الاشتباك – مايو/ أيار 1974"، لكن مع متغيرٍ جديد، هو إنشاء الجيش الروسي نقاط مراقبة في المنطقة الحدودية.

وقد أعلن الجيش الروسي، يوم الثلاثاء الماضي، إنشاء أول أربع نقاط مراقبةٍ عسكرية هناك، إذ جرى توزيعها عند تخوم المنطقة منزوعة السلاح وفق اتفاق "فك الاشتباك"، مع إعلان نائب قائد القوات الروسية في سورية، سيرغي كورالينكو، عزم بلاده إنشاء نقطتين إضافيتين في الفترة القريبة المقبلة.

وأكد كورالينكو، في تصريحات صحافية، أن "عدد النقاط التي تعتزم الشرطة العسكرية الروسية نشرها شرق خط برافو قد يصل إلى ثماني نقاط إذا اقتضى الأمر"، مشيراً إلى أن "بلاده لن تنشئ نقاط مراقبة عسكرية داخل المنطقة منزوعة السلاح، التي تتوسط خطي برافو شرقاً من الجانب السوري، وألفا غرباً من جانب الجولان المحتل". وقال إن "الشرطة العسكرية الروسية، سوف تسلم هذه النقاط إلى قوات النظام السوري، فور عودة قوات حفظ السلام الأممية إلى عملها في المنطقة".



أما عن الحدود السورية مع الأردن، فإن قوات النظام بسطت منذ الشهر الماضي، وبدعم روسي، كامل سيطرتها هناك، بما في ذلك معبر نصيب، الذي أشارت مختلف المعطيات إلى أن افتتاحه رسمياً لمرور القوافل التجارية سيكون قريباً.

ومنذ يومين، ذكرت وكالة النظام الرسمية "سانا" أن "كافة الترتيبات والتجهيزات أنجزت لفتح المعبر"، مدعية أنه "بات مهيئاً لاستقبال المهجرين، وقد تم تجهيز مراكز طبية وسيارات إسعاف، لاستقبال العائدين من السوريين في الأردن".

ونصيب معبر تجاري حيوي لكل من سورية والأردن، وتتدفق عبره حركة التجارة، من سورية فالأردن ثم بلدان الخليج العربي. وقد سيطرت عليه المعارضة السورية في إبريل/ نيسان 2015، عندما كان آخر معبرٍ بإدارة النظام رسمياً، مع دول جوار سورية، باستثناء لبنان، لكن الحكومة الأردنية بعدها رفضت استئناف عمل المعبر، الذي توقفت فيه الحركة التجارية.

ومع وصول معركة النظام، بدعم روسي، في درعا إلى أيامها الأخيرة، وبعد سيطرة قوات النظام السوري على المعبر، بدأت بعض وسائل إعلامه بالترويج لإمكانية فتح هذا الممر التجاري قريباً. فقد نقلت صفحاتُ مقربة من النظام على الإنترنت، منذ منتصف يوليو/ تموز الماضي، أن نصيب قد يتم افتتاحه قريباً، بعد تعيين العقيد مازن غندور رئيساً للمعبر، وذلك بعد استمرار إجراءات الصيانة وتأهيل الطرقات نحو المعبر.

وكانت تصريحاتُ بعض مسؤولي النظام قد كشفت عما وصفته بـ"الخطط السريعة" لتأهيل المعبر وإعادة فتحه "قريباً"، وهو ما استقبله مسؤولون أردنيون بارتياح، إذ وصف رئيس غرفة صناعة عمّان المعبر بـ"الشريان" المهم لبلاده، في وقتٍ قال فيه نقيب أصحاب الشاحنات في الأردن محمد الداوود، في تصريحات صحافية، إن "نحو خمسة آلاف شاحنة أردنية جاهزة لنقل البضائع بين سورية والأردن".



على الرغم من تصريحاتٍ لحكومة النظام، حول ضرورة تقدّم الأردن بطلبٍ رسمي لإعادة فتح المعبر، ثم رد وزير خارجية عمَّان أيمن الصفدي بأن بلاده هي التي تنتظر طلباً من دمشق بهذا الشأن، فإن مسألة فتح المعبر رسمياً تبدو مُجرّد مسألة وقت.

أما في محافظة السويداء، وبعد تقدّم قوات النظام الواسع والسريع شرقي المحافظة، في المساحات التي كانت خاضعة لـ"داعش"، فإن المعارك الآن انحصرت بين الجانبين إلى أقصى الشرق من ريف السويداء، قرب الحدود الإدارية مع محافظة ريف دمشق، وتحديداً في محيط ما يُعرف بتلول الصفا.

وذكرت مصادر ميدانيةٌ مقربة من النظام، و"المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن "العمليات العسكرية بمحيط تلول الصفا تتصاعد، مع استخدام قوات النظام المدفعية الثقيلة والصواريخ، بغطاءٍ جوي للطائرات الحربية، التي تنفّذ غارات يومية هناك".

وعلى الرغم من إبعاد خطر "داعش" عن محافظة السويداء، التي كانت أطرافها الشرقية قد شهدت مجزرة ارتكبها مسلحو التنظيم فجر 25 من الشهر الماضي، راح ضحيتها نحو 250 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، فإن غليان المحافظة ما زال مستمراً، مع عدم ظهور مؤشراتٍ إيجابية في المفاوضات مع "داعش"، حول مصير نحو 30 من مختطفي ومختطفات يوم 25 يوليو/ تموز.

وفي آخر التطورات حول قضية المختطفين والمختطفات، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أمس الأربعاء، أنه "مع مرور الأسبوع الثالث على اختطاف نحو 30 من الأطفال والمواطنات، من قرى الريف الشرقي لدير الزور، من قبل تنظيم داعش، واحتجازهم في مناطق سيطرة التنظيم، وعلى الرغم من تقهقر التنظيم، وانحسار مناطق سيطرته الواسعة في القسم الجنوبي من البادية السورية، إلا أنه لا تزال المخاوف على مصير المختطفين والمختطفات في تصاعد مستمر، مشعلة معها مزيداً من الاستياء في صفوف مزيد من الأهالي، من عدم الاكتراث واللامبالاة اللذين يجري التصرف بهما حيال ملف المختطفات".



وأضاف المرصد أنه "ما زاد الطين بلة، وصب الزيت على النار، هو دعوات وجّهت لاعتبار المختطفين شهداء، الأمر الذي قابله ذوو المختطفين بالرفض القاطع، متهمين الأطراف الداعية لذلك بمحاولة التشبيح للنظام وعدم إعطاء الفرصة للتنظيم للي ذراع النظام، الذي هو في الأصل غير مكترث لمصير المختطفين. وما يدل على ذلك هو عمليته العسكرية التي أنهت وجود التنظيم في محافظة السويداء بشكل كامل، فرغم الاستمرار في عملية التفاوض إلا أن قوات النظام لم تصل لنتيجة التفاوض التي تقتضي الإفراج عن المختطفين والمختطفات قبل إقدام التنظيم على إعدامهم".

وتشابكت في محافظة السويداء، بالنسبة إلى الروس، قضايا متزامنة عدة، بينها امتناع عشرات الآلاف من شبابها عن الالتحاق بالخدمة العسكرية في قوات النظام، بالإضافة إلى وجود "فصائل محلية" غير مؤيدة النظام، أبرزها "حركة رجال الكرامة"، التي رفضت للمرة الثانية على التوالي المطالب الروسية بنقل العالقين من عشائر البادية في ريف السويداء الشرقي إلى محافظة درعا. وشدّدت على رفض الحركة أي مشروع يهدف لتقسيم سورية، ولفتت إلى "عدم وجود أي خلافات جوهرية أو طائفية بيننا وبين العشائر، فنحن أبناء بلد واحد، رافضين سياسة التعميم عليهم، لكننا نتخوّف من استغلال المتعاونين مع داعش من بعض أبناء العشائر للصفقة، وانتقالهم إلى محافظة درعا"، بحسب ما ذكرت صفحة "السويداء 24"، التي تعتبر أبرز صفحات المحافظة إخبارياً.

وأضافت الصفحة أن "الوفد الروسي قد دعا قائد حركة رجال الكرامة يحيى الحجار إلى حضور اجتماع في العاصمة دمشق مع مسؤولين روس للتباحث في مصير المنطقة الجنوبية، لكن قائد الحركة جدّد رفضه حضور أي اجتماع قبل تحرير المختطفين، كما أشار إلى أن مشيخة عقل الطائفة هي المرجع والممثل للطائفة الدرزية في محافظة السويداء، في أي اجتماعات تبحث مصير المنطقة". وأمل الروس، ومن ورائهم النظام، تطويع فصيل "رجال الكرامة"، الذي كان قائده السابق وحيد البلعوس قد أعلن التزامه حماية الشباب من أبناء السويداء، الذين يمتنعون عن الالتحاق بالخدمة العسكرية في قوات النظام، ويبلغ عددهم، بحسب مختلف الإحصاءات، أكثر من أربعين ألفاً.



المساهمون