تطبيق اتفاق إدلب: دوريات مشتركة وحسم ملف الفصائل

15 مارس 2020
رفض شعبي للدوريات الروسية التركية المشتركة (أحمد الأطرش/فرانس برس)
+ الخط -

يسير الطرفان التركي والروسي في اتجاه تطبيق الاتفاق الذي وقّعه الرئيسان، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في الخامس من الشهر الحالي في موسكو، والذي أرسى دعائم تهدئة جديدة في شمال غربي سورية، يأمل الطرفان أن تكون مستدامة.

وفيما تبقى الهدنة قائمة في المنطقة، على الرغم من بعض الخروقات الطفيفة، يبدأ الطرفان اليوم الأحد تسيير أول دورية مشتركة في الطريق الدولي "إم 4" الذي يربط مدينة حلب بالساحل غربي البلاد، فيما تستضيف أنقرة اجتماعات لممثلي وقادة فصائل المعارضة السورية المسلحة العاملة في إدلب وريف حلب وحماة، للتباحث في آليات تطبيق اتفاقية موسكو، وموضوع تسيير الدوريات المشتركة، وانسحاب الفصائل من المناطق المحددة على جانب الطريق "إم 4"، إضافة إلى التباحث باندماج الفصائل تحت راية جسم واحد.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس السبت، أن المفاوضات العسكرية مع تركيا حول الوضع في إدلب كانت بنّاءة، مشددة على أن نتائجها ستسمح بتطبيق كل الاتفاقات بين الطرفين الخاصة بمنطقة إدلب لخفض التصعيد، والتي تم التوصل إليها بين الرئيسين الروسي والتركي يوم 5 مارس/آذار الحالي في موسكو. وقالت الوزارة في بيان، إنه "سيتم غداً (اليوم الأحد) في 15 مارس، تسيير أول دورية روسية تركية مشتركة في الطريق الدولي إم 4 الذي يربط مدينة حلب في شمال سورية بالساحل غربي البلاد".

وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أعلن، الجمعة الماضي، أن المسؤولين الأتراك والروس اتفقوا على تفاصيل وقف إطلاق النار في إدلب في شمال غرب سورية، وعلى تنظيم دوريات مشتركة على طريق "إم 4" الرئيسي، اعتباراً من اليوم الأحد، متحدثاً عن إنشاء مراكز تنسيق مشتركة مع روسيا، ليتم من خلالها إدارة العمليات المشتركة في إدلب. ونقلت وكالة "الأناضول" عن أكار قوله إن الدوريات المشتركة مع روسيا على طريق "إم 4" ستساهم بشكل كبير في ترسيخ دائم لوقف إطلاق نار، مضيفاً "هدفنا جعل وقف إطلاق النار في إدلب دائماً. قمنا بدورنا بما يترتب علينا من أجل ذلك، والروس أظهروا موقفاً بناءً في هذا الخصوص". وأشار إلى إنشاء مراكز تنسيق مشتركة مع روسيا ليتم من خلالها إدارة العمليات المشتركة في إدلب، متحدثاً في سياق منفصل عن مؤشرات جيدة لتوقف النزوح من إدلب وعودة النازحين إليها.



وتشي نتائج الاجتماعات بين الخبراء الروس والأتراك في أنقرة، التي انطلقت الثلاثاء الماضي، بأن سقف المطالب التركية من الجانب الروسي قد انخفض، لا سيما لجهة تراجع قوات النظام السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية وفق حدود اتفاق سوتشي المبرم في سبتمبر/أيلول 2018 بين أردوغان وبوتين. وبموجب اتفاق موسكو في الخامس من الشهر الحالي، فإن الجانب الروسي يتحكّم بالمناطق التي تقع إلى الجنوب من الطريق الدولي "ام 4"، بينما يتحكّم الأتراك بالجانب الشمالي منه حتى مدينة سراقب، ومنها يسيطر النظام على الطريق بشكل كامل وصولاً إلى مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري.

وقال القيادي في فصائل المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، إن اتفاق الروس والأتراك على تسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي "ام 4"، "خطوة ليست مفاجئة"، مضيفاً "كانت بنداً من بنود اتفاقية قمة سوتشي حول إدلب في العام 2018. وبعد تداخلات عديدة لم يتم تطبيقها لعدم التزام روسيا بوقف إطلاق النار في المنطقة، وعدم إعطاء تركيا وقوى الثورة الوقت الكافي لتطبيقها". وتابع "على الرغم من عدم موافقة بعض الفعاليات الثورية على ذلك، إلا أنها أصبحت خطوة يتم تنفيذها بحكم الأمر الواقع، ولو كان بالإمكان غير ذلك لحدث، لكن الظروف التي مرت بها المنطقة والاتفاقيات والتفاهمات بين روسيا وتركيا استوجبت تطبيقها، لا سيما أن تركيا هي الضامن لقوى الثورة والمعارضة العسكرية، وقد وجدت أن إيجابيات تنفيذ هذه الخطوة أكبر من سلبياتها، وهذا كفيل بأن نمضي في هذه الخطوة ما دام بها حقن لدماء المدنيين وإيقاف لمتابعة تهجيرهم من بيوتهم".

أما القيادي في فصائل المعارضة العقيد مصطفى البكور فرأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك رفضاً شعبياً لوجود الروس في الدوريات"، مشيراً إلى أن "غالبية السوريين يعتبرون الروس أعداء مشاركين في القتل والتدمير"، مضيفاً "لا يمكن ضمان أمن الدوريات المشتركة بسبب وجود الروس. لا اعتقد أن مشروع الدوريات المشتركة سيكون ناجحاً بسبب الرفض الشعبي له".

في غضون ذلك، علمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة في المعارضة السورية، أن اجتماعات تجري في أنقرة، لممثلي وقادة فصائل المعارضة المسلحة، للتباحث في آليات تطبيق الاتفاقيات التي عقدتها تركيا مع روسيا، ودمج الفصائل المتواجدة في منطقة إدلب ومحيطها تحت مظلة واحدة، يكون لها مرجعية واحدة، من أجل تسهيل تطبيق التفاهمات والاتفاقيات. وقالت المصادر إن بعض الفصائل المعارضة رفضت تطبيق الاتفاقيات لوجود رفض شعبي لها، خصوصاً أن هناك تعقيدات في تطبيق الاتفاقيات التركية الروسية فيما يرتبط بتسيير الدوريات، وفتح طرق آمنة للمدنيين الراغبين بالعودة إلى مناطقهم التي تقدم النظام لها، أو المناطق الواقعة جنوب طريق "ام 4". وبحسب المعلومات المتوفرة فإن أنقرة نقلت للجانب الروسي مخاوف تركيا وفصائل المعارضة من خروقات المليشيات التابعة لإيران التي قد تؤدي لانهيار وقف إطلاق النار، فكان الرد الروسي بأن موسكو لن توفر الحماية الجوية لهذه المليشيات في حال كانت هناك خطوات من هذا القبيل.

وفيما يخص الشق الثاني المرتبط بتوحيد الفصائل، فقد أفادت المصادر بأن الجهود الجارية تعود لفكرة قديمة، لكن التطورات المتسارعة في إدلب سرّعت الجهود لإتمام عملية الاندماج، وسيتم الإعلان عنها في حال اكتمال هذه الجهود. وأوضحت أن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي تشكل معضلة في المنطقة، ستشهد تغييرات هامة في بنيتها من أجل تسهيل الاندماج، والذي قد يكون بالحل والاندماج مع فصائل المعارضة، وتبذل جهود لتقريب وجهات النظر بين الأطراف من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، على الرغم من صعوبات تتعلق بمواقف الهيئة الراغبة بأن يكون لها يد عليا في القرار.

ميدانياً، ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار شمالي غرب سورية يومه التاسع أمس، فقد حافظت المنطقة على الهدوء النسبي. وقال مراسل "العربي الجديد" إن اشتباكات محدودة بالرشاشات المتوسطة جرت فجر أمس السبت بين فصائل المعارضة وقوات النظام على محور سراقب شرق إدلب، وذلك عقب قصف مدفعي من قِبل قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي، استهدف بلدة كنصفرة في جبل الزاوية، فيما عملت قوات النظام على فتح الطريق الدولي دمشق-حلب عند عقدة بلدة معرحطاط في ريف إدلب، وإزالة الكتل الإسمنتية التي قطعت بها النقطة التركية الطريق الدولي سابقاً أمام أرتال قوات النظام.

ويبدو أن الجيش التركي يتجه إلى تفكيك بعض نقاط المراقبة العسكرية الخاصة به والمحاصرة من قبل قوات النظام في أرياف حماة وحلب وإدلب، لتمرير اتفاق مع الجانب الروسي يجنّب محافظة إدلب أي عمل عسكري في الأيام المقبلة. وتحتفظ أنقرة بـ12 نقطة مراقبة رئيسية في محيط محافظة إدلب، تتوزّع في 12 موقعاً في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية. وتحاصر قوات النظام عدة نقاط تركية، أبرزها مورك وشير مغار في ريف حماة الشمالي، والصرمان وتل الطوقان. كذلك حاصرت قوات النظام عدة نقاط أخرى أقامها الجيش التركي على عجل خلال فبراير/شباط الماضي في محاولة لإيقاف تقدّم قوات النظام في عمق محافظة إدلب، خصوصاً باتجاه مدينة سراقب.

وفي هذا السياق، ذكرت وكالة "سانا"، التابعة للنظام السوري، أنه تم فتح الطريق الدولي حماة -حلب في منطقة معرحطاط في ريف حلب الجنوبي بعد إزالة السواتر الترابية والحواجز التي أقامتها القوات التركية، مشيرة إلى أن وسائل النقل بدأت تسلك الطريق الدولي في المنطقة، لكن "عدداً من الجنود الأتراك لا يزالون يحتلون بعض منازل المدنيين في البلدة". وكانت وسائل النقل تستخدم طريقاً فرعياً بطول 12 كيلومتراً تقريباً لتجاوز بلدة معرحطاط وتعود إلى الطريق الدولي من جديد، بسبب وجود السواتر الترابية والحواجز التي أقامتها القوات التركية. وتسيطر قوات النظام السوري على كامل الطريق الدولي "ام 5" الذي يربط حلب بحماة ومنها إلى مدينة حمص وسط سورية، ومن ثم باتجاه العاصمة دمشق.

في غضون ذلك، دخل رتل عسكري تركي جديد، قوامه نحو 20 آلية، عبر معبر كفرلوسين إلى الأراضي السورية، صباح أمس السبت، يحمل مواد لوجستية وهندسية، واتجه نحو المواقع التركية في محافظة إدلب. من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن عدد الآليات التركية التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد بلغ 950 آلية، بالإضافة لمئات الجنود، لافتاً إلى وجود أكثر من 9350 جندياً تركياً في الشمال الغربي من سورية.

وعلى الرغم من اتفاق الجانبين التركي والروسي على بدء تسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي "إم 4"، إلا أنه لا تزال هناك قضايا أخرى تنتظر حلولاً، لعل في مقدمتها مشكلة أكثر من مليون نازح عن مناطق هي تحت سيطرة قوات النظام، ما يعني بقاء هؤلاء في أماكن نزوحهم في ظل عدم وجود ضمانات كافية لعودة آمنة لهم. كما أن مصير عدة مناطق ومدن وبلدات لم يُحسم بعد، أو على الأقل لم يطفُ على السطح.

المساهمون