إسرائيل تبحث عن استراتيجية مشتركة مع أميركا لضمان أمنها

09 مايو 2016
ترى إسرائيل خط أوباما متشدداً تجاهها (مانديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -
بات مستقبل العلاقات الأميركية-الإسرائيلية تحت أنظار المراقبين في إسرائيل، خصوصاً في ظل تعثّر المفاوضات الأميركية الإسرائيلية حول مذكرة التعاون الأمني من جهة، وما باتت تعتبره إسرائيل الرسمية تحوّلاً في الموقف والسياسة الأميركيتين في التعامل مع إيران، مع تحوّل طهران من جزء من المشكلة، إن لم تكن المشكلة كلها في المنظور الإسرائيلي، إلى جزء من الحل. هذا التعثّر قد يُفسر الغزل الناعم من إسرائيل برئاسة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ببعض دول العربية، وفي إبراز إسرائيل لما تسميه "محور الدول السنّية المعتدلة" والتقارب والتقاطع معها لمواجهة إيران والمد الإيراني في المنطقة، ودمج الخطاب الإعلامي بلقاءات بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين من دول الخليج، خصوصاً السعودية، كمحاولة لبناء محور استراتيجي جديد تعويضاً عن فقدان الدور الأميركي، أو تراجع حجم هذا الدور.
وفي هذا السياق، جاءت دعوة الباحثين في مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، الجنرال احتياط أودي ديكل، وكرميت فلانسي، لوجوب السعي لبلورة استراتيجية إسرائيلية أميركية مشتركة. وبرر الباحثان وجوب الوصول إلى هذه الاستراتيجية انطلاقاً من كونها مصلحة أمنية ضرورية وحتمية لضمان أمن ومكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، خصوصاً في ظل ما قد تحمله ترتيبات محتملة للحل في سورية، وانتصار أو بسط الهيمنة الإيرانية نتيجة لهذا الحل.
ورأت الدراسة التي نشرها ديكل وفلانسي ضمن المجلة الدورية للمركز المذكور، تحت اسم "تحديث استراتيجي"، أن الاستراتيجية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة يجب أن تُشكّل خطوطاً عريضة متفقاً عليها في المسألة الفلسطينية، وفي ملامح التسوية والحل في سورية، إلى جانب تحديد نقاط متفق عليها في كل ما يتعلق بالموقف من إيران. واعتبر الكاتبان أن هذه الاستراتيجية المشتركة، ممكنة في حال تم أيضاً الاعتماد على "القيم المشتركة في الموقف من الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات". (ويتم هنا تجاهل مطلق لإشكاليات وانتهاك حقوق الأقلية الفلسطينية في الداخل، وتجاهل تناقض قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بواقع الاحتلال كانتهاك صارخ لأدنى وأبسط الحقوق الإنسانية).
مع ذلك أقر الباحثان أنه على الرغم من أوجه التشابه والتقاطع في المواقف والمصالح الأساسية في المنطقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن هناك خلافاً وفجوة في سبل الوصول إلى تحقيق هذه المصالح.
والواقع أن الباحثين يشيران في دراستهما إلى أن التباين والاختلال الأساسي في مواقف الدولتين، يعود إلى الموقف الإسرائيلي المعارض لسياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما كما عرضها في خطابه في القاهرة، مع الإشارة إلى أن إسرائيل مثلاً تعتبر أن إدارة أوباما بالذات ووفق منطق خطابه الشهير في القاهرة، تتبع خطاً متشدداً تجاه إسرائيل، مقابل نوع من التساهل تجاه السعودية والسعي لمصالحة مع العالم الإسلامي.
وأشار الباحثان أيضاً إلى تراجع نتنياهو عن خطابه في جامعة بار إيلان بشأن اعتماد حل الدولتين، باعتبار هذا الحل، كما أعلن نتنياهو عشية الانتخابات الأخيرة في مارس/ آذار من العام الماضي، لم يعد عنصراً أساسياً في تدهور العلاقات بين إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية. إلا أن الكاتبين لفتا أيضاً إلى التزام أوباما بأمن إسرائيل، من دون أن يصرح إذا ما كان سيمتنع عن استخدام حق النقض الأميركي في مجلس الأمن لقرارات ضد إسرائيل من شأنها أن تحدد أسساً واضحة لإقامة دولة فلسطينية، وبالتالي اعتبار إسرائيل دولة تنتهك القانون الدولي عبر إصرارها على البناء غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما تحدث الباحثان عن القلق الأميركي من سيل التشريعات العنصرية لحكومة نتنياهو كعنصر يضر بمبدأ "تقاطع المبادئ والقيم الليبرالية والديمقراطية المشتركة".


واقترح ديكل بلورة استراتيجية مشتركة تنطلق من الإقرار بالدور القيادي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على خلفية التطورات الحاصلة فيه من جهة، وانتهاء المفاوضات الإيرانية-الأميركية بشأن الملف النووي، الأمر الذي يوجب في المقابل أن تكون الولايات المتحدة نفسها أكثر إصغاء لمواقف حلفائها في المنطقة التي تخشى من إطلاق سباق تسلح إيراني.
وتحدث ديكل عن وجود اتفاق في المصالح الأميركية-الإسرائيلية مثلاً بشأن بقاء وصمود الأردن، وعدم وقوعه في مطب الثورات والقلاقل أو عرضة لضربات تنظيم "داعش"، وما يؤهل الأردن لهذا الاتفاق في المصالح بحسب الكاتب، هو كونه نقطة مهمة في استقرار المنطقة وكونه حليفاً وفيّاً للولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي هذا المحور فإن الاستراتيجية المقترحة من ديكل وفلانسي، تتطرق أيضاً إلى الدور والموقع المتوخى لمصر تحت قيادة عبدالفتاح السيسي، عبر تعزيز وتقوية العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر السيسي، من خلال القيام بخطوات لبناء الثقة وتعزيزها، وتقديم مساعدات أميركية وإسرائيلية للنظام الحاكم في مصر لتكريس وترسيخ حكم فاعل قادر على مواجهة "داعش" في سيناء ومنع تهريب الأسلحة للمقاومة في قطاع غزة، وضبط الحدود الجنوبية لإسرائيل، مع تقديم بدائل للعمل وتطوير الاقتصاد في سيناء لاستقطاب قبائل البدو فيها بدلاً عن اعتماد اقتصاد يقوم على التهريب.
واقترحت الدراسة أيضاً اعتماد ركيزة بالشأن الإيراني، تقوم على بناء آلية مراقبة مشددة على النشاط الإيراني، تلتزم خلالها إسرائيل بعدم اعتماد خيار عسكري ضد إيران، وفي حال خرقت إيران التزاماتها تكون لإسرائيل شرعية للرد على ذلك. ويضاف إلى ذلك، أن تطلب الولايات المتحدة بموجب الاستراتيجية المشتركة مع إسرائيل، من إيران وقف تأييد وتمويل "المنظمات الإرهابية" كشرط يمكن له أن يفضي إلى تطبيع العلاقات الأميركية مع إيران لجهة التعاون الاقتصادي. وعلى إسرائيل أن تضمن ألا ينجم عن ذلك تعزيز قوة حزب الله أو المحور الشيعي، مع مطالبة الولايات المتحدة بأن تأخذ بعين الاعتبار أيضاً المصالح الإسرائيلية في "جنوب الجولان".
وفي السياق الفلسطيني، اقترحت الدراسة أن يكون هناك التزام وضمان إسرائيلي بأن إسرائيل لم تُسقط نهائياً خيار حل الدولتين، من خلال ترتيبات مرحلية أو خطوات تتخذها إسرائيل بهذا الاتجاه بالتنسيق مع الجانب الفلسطيني، مع التزام إسرائيلي أيضاً بوقف البناء في المستوطنات القائمة خارج الكتل الاستيطانية، وفي محيط القدس المحتلة. مقابل ذلك تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالبناء في المناطق "سي"، والتي تشكل نحو 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وهو ما من شأنه أن يبث حركة نمو في الاقتصاد الفلسطيني.
أما الركيزة الأخيرة للاستراتيجية المقترحة، فتقوم على تعميق الاتفاقيات الأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة، من خلال تعزيز العلاقات الأمنية الخاصة بين الطرفين، وعبر حوار مشترك ومتواصل، وبناء آلية تنسيق استراتيجي مشترك، تضمن تحديد وتشخيص التحديات الإقليمية والاتفاق على خطوط عريضة لسياسة مشتركة لمواجهتها.
وتبنت الدراسة الموقف الإسرائيلي حول المعونات الأميركية لإسرائيل، بل عرضت رفع هذه المعونات من 3.1 مليارات دولار حالياً إلى 5.4 مليارات، أي أن يكون مجمل هذه المعونات خلال السنوات العشر المقبلة، والتي يفترض أن تغطيها مذكرة المعونات الأميركية التي يجري التفاوض عليها مع تل أبيب، 54 مليار دولار، علماً أن الولايات المتحدة تعرض حتى الآن مبلغ 37 مليار دولار. واقترحت الدراسة إنجاز ذلك وعدم انتظار وصول رئيس جديد للبيت الأبيض، مع ضمان التزام أميركي بتفوّق إسرائيل العسكري نوعياً.