"اتفاق سلام" تركي ـ كردي في سورية؟

26 مارس 2020
القوات الأميركية تعمل في شرق الفرات (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
فتحت الإدارة الأميركية الباب مجدداً أمام احتمال إبرام اتفاق بين تركيا والأكراد السوريين، ينهي حالة العداء بين الطرفين اللذين يتراشقان الاتهامات، إذ تعتبر أنقرة أن وحدات الحماية الكردية التي باتت القوة العسكرية الضاربة في شمال شرقي سورية تهدد الأمن القومي التركي، بينما يتهم الأكراد تركيا بالسعي إلى إخضاعهم لإرادتها أو تشريدهم من مناطقهم، نافين نيتهم تحويل منطقة "شرقي نهر الفرات" إلى إقليم مستقل. في سياق ترتيب اتفاق ثنائي ما، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أول من أمس الثلاثاء، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، استعداد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأكراد في سورية لإبرام اتفاق سلام، مؤكداً أن "كلا الجانبين أكدا موافقتهما على ذلك". ولطالما سعت الإدارة الأميركية خلال السنوات الماضية لرأب الصدع في العلاقة بين الأتراك و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي يهمين عليها قوميو أكراد سوريون من خلال وحدات الحماية الكردية، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، الذي تنظر إليه أنقرة باعتباره العدو الأبرز في الوقت الراهن.

ومنذ بداية تشكل الوحدات الكردية في عام 2012 بتسهيل من النظام السوري في شمال شرقي سورية، وتركيا تنظر إليها بعين العداء وتتهمها بمحاولة إنشاء إقليم ذي صبغة كردية تعتبره يمسّ بأمنها القومي. أما الأكراد السوريون فيتهمون تركيا بالسعي إلى سحقهم وتشريدهم عن مناطقهم. وهو ما منع الجانبين من ردم هوّة واسعة من الخلافات، رغم المحاولات التي بُذلت من أجل إيجاد حلول تجنّب الشمال السوري المزيد من العمليات العسكرية التي عادة ما تكون على حساب المدنيين. ففي مايو/أيار 2015، تقدمت الوحدات الكردية على حساب تنظيم "داعش" في محافظتي الحسكة والرقة على الحدود السورية التركية، فسيطرت على مدن حدودية عدة، منها رأس العين وتل أبيض، وهو ما أجج العداء بين القوات الكردية وتركيا. وفي أواخر عام 2015، حاولت الوحدات التلطي خلف "قوات سورية الديمقراطية" التي ساعد التحالف الدولي في تشكيلها من خلال اندماج عدة فصائل من عدة عرقيات بقيادة كردية لمحاربة تنظيم "داعش". ولكن تركيا بقيت على عدائها لهذه القوات، التي بدأت في عام 2016 تحقق نجاحات على حساب "داعش" دفعت التحالف الدولي إلى دعمها سياسياً وعسكرياً، لتصبح "أمراً واقعاً" على نحو ثلث مساحة سورية. وفي مطلع عام 2018، شن الجيش التركي وفصائل معارضة هجوماً واسع النطاق على الوحدات الكردية في منطقة عفرين وريفها في ريف حلب الشمالي الغربي. مع العلم أن عفرين كانت معقلاً بارزاً للوحدات الكردية، التي تلقت ضربة كبيرة من قبل الجيش التركي الذي سيطر في منتصف مارس/آذار 2018 على المدينة، دافعاً الوحدات الكردية إلى ريف حلب الشمالي، حيث لا تزال تسيطر على مدينة تل رفعت وبعض قراها، إضافة إلى مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي.

بعدها، حاولت تركيا القيام بعمل عسكري ضد "قسد" في المنطقة التي باتت تُعرف بـ"شرقي نهر الفرات"، ولكن التحالف الدولي كان حجر عثرة أمام الأتراك، الذين كانوا ينظرون بقلق كبير تجاه اتساع قوة هذه القوات التي تحولت إلى القوة الثانية في سورية بعد النظام، خصوصاً أنها وضعت يدها على أغلب "شرقي الفرات" التي تعتبر بنظر كثيرين "سورية المفيدة" بسبب غناها بالثروات. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نفذ الأتراك تهديدهم بشن عملية عسكرية في منطقة شرقي الفرات، بعد تفاهمات مع الجانب الأميركي الذي سمح للجيش التركي وفصائل معارضة مرتبطة به بالسيطرة على منطقة محدودة بطول 100 كيلومتر وعمق 30 كيلومتراً، تمتد من مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي إلى مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وغالبية سكان المنطقة من العرب. ومنذ ذاك التاريخ والتوتر والاشتباكات العسكرية بين الجانبين مستمرة على طول خطوط التماس في ريفي الرقة والحسكة، فالهجوم التركي دفع الأكراد إلى السماح لقوات النظام وقوات روسية بالدخول إلى شرقي نهر الفرات، في محاولة لإيقاف هذا الهجوم عند حد معيّن.

الآن تحاول الإدارة الأميركية تحقيق التوازن في علاقتها بين تركيا من جهة، وبين قوات "قسد" من جهة أخرى، لذلك تعمل على دفع الطرفين على توقيع "اتفاق سلام"، يبدو أن عثرات كبرى تقف في طريقه. وربما يلجأ الطرفان بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد في العالم إلى "تهدئة" برعاية مباشرة من واشنطن، ولكن من المستبعد أن يركن الجانبان إلى تهدئة طويلة الأمد، تحديداً من الجانب التركي الذي يخشى من تحول المنطقة التي تسيطر عليها قوات "قسد" إلى ما يشبه الإقليم المستقل بدعم غربي، وهو ما يعتبره الأتراك خطاً أحمر. في المقابل، يصبّ أي اتفاق، وتحت أي صيغة، في مصلحة الأكراد السوريين الساعين إلى أداء دور كبير في مستقبل سورية، في إطار حل سياسي دائم يضمن حقوقهم، رغم أنهم يعتبرون أقلية في منطقة شرقي الفرات، التي يشكل العرب غالبية سكانها.

المساهمون