واحتاج هذان المرشحان لجهد سياسي لإقناع الكتلة الشعبية والسياسية بالمبررات التي تقف خلف تغيير موقفهما وإعلانهما المشاركة في انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول الحالي، على الرغم من الاعتراض المتصاعد من قبل الحراك الشعبي وإقرار المرشحيَن بأن الظروف التنظيمية والترتيبات المحيطة بالانتخابات ليست سليمة بالكامل، وأن مسألة التلاعب بسير الانتخابات وتزويرها بأشكال مختلفة ما زالت قائمة. وأعلن بن فليس في تجمع شعبي حاشد عقده يوم السبت الماضي، في منطقة خنشلة شرقي الجزائر، أن قراره بالذهاب إلى الانتخابات والمشاركة فيها لكم يكن سهلاً. وأفاد: "اتخذت قراراً بأن أتقدّم إلى الشعب بمشروع إصلاح سياسي حقيقي لنؤسس دولة ديمقراطية جديدة، لأنه من دون انتخابات لا خيار آخر، وإذا لم نذهب إلى الانتخابات فما هو البديل وماذا نفعل؟"، مشيراً إلى أنه "مقتنع تماماً بأننا لسنا أمام انتخابات في ظروف مثالية، لكن أيضاً ليس هناك بديل آخر عن الانتخابات كطريق هو الأقل كلفة بالنسبة للبلد ومستقبله".
من جهته، أكد بن قرينة في تجمّع عقده في منطقة ورقلة جنوبي الجزائر، أن "الذهاب إلى الانتخابات قرار شجاع في ظرف صعب يحتاج فيه البلد موقفاً وطنياً وتضحية سياسية، كان يجب علينا اتخاذ هذا الخيار، مع أننا نتفق مع الكثيرين ممن يرفضون الانتخابات بأننا لسنا في ظروف مثالية وأن شروط الانتخابات السليمة ليست متوفرة بسبب عقود من الممارسات المجحفة من قبل السلطة والإدارة". واعتبر أن هذه الانتخابات هي بداية لحل سياسي يتيح بناء الديمقراطية.
اللافت أن ثمة إجماعاً بين الكتلتين، الرافضة للانتخابات والداعية للمشاركة فيها، بشأن التقييم السياسي للمرحلة الراهنة واستحقاقاتها والظروف المحيطة بالانتخابات الرئاسية واحتمالات التلاعب بسيرها، وعلى استمرار السلطة في اتخاذ قرارات من شأنها أن تؤزم الوضع. وتقر الكتلة الداعية إلى الانتخابات بوجود مجموعة شعبية رافضة للانتخابات، لكنها تتفهّم دوافعها.
في السياق رأى وليد ولاد داود، المتحدث باسم حملة المرشح علي بن فليس، أن "هذا الرفض يستدعي فهم دوافعه المرتبطة أصلاً بأزمة ثقة عميقة بين الشعب والسلطة، لكن الانتخابات تبقى بالنسبة لنا الخيار الأقلّ كلفة والأكثر ضماناً لكونها تتم داخل الإطار الدستوري الذي يضمن عدم الخروج عنه وفتح الباب أمام خيارات غير مضمونة". وأضاف أن "الاختلاف خارج الأطر الدستورية يعطل سيرورة الدولة ويطرح مخاوف من سيناريوهات مجاورة مع المتغيرات الجيوسياسية".
وقال إن ما يقترحه علي بن فليس مثلاً "ليس وصاية على الحراك، لكن مرافقته الفعلية والرسمية لتجسيد المطالب وهي حتمية لبناء دولة الحق والمواطنة، ولا يطلب من الحراك التوقف بل المواصلة إلى أن يقتنع بأن البلد في السكة الصحيحة وأن الشعب يسترجع سيادته". وذهب في الاتجاه نفسه كمال قرابة، أحد كوادر حملة قرينة، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن "الانتخابات ليست هي الحل في حد ذاتها، نحن نعتقد أنها باب للذهاب نحو وضع طبيعي تتوفر فيه مؤسسة رئاسية شرعية ويتم من خلالها حل مختلف القضايا السياسية والمشاكل العالقة، من دون أن نفتح الباب لمخاوف ومخاطر تحدق بالبلد، عدا الانتخابات لم يكن هناك أي خيار معقول يمكن الاحتكام إليه".
وتتوافق هذه المبررات مع دوافع قطاع مهم من الشعب يعتقد أن فترة الأشهر التسعة من الحراك الشعبي، من دون وجود مخارج سياسية واضحة، أمر مقلق يضع البلد عند مخاطر متعددة، وأن بقاء الجزائر بثقلها الإقليمي من دون رئيس للجمهورية كل هذه الفترة، أمر غير مقبول وينذر بمحاذير جمة، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وهي ظروف دفعت فعلياً قسماً من الرافضين للانتخابات إلى تعديل موقفهم نحو التصويت الخميس المقبل. بالإضافة إلى أن حالة الانقسام في المواقف بين مكونات الحراك الشعبي وظهور مشاكل ومطالب هوياتية داخله، تفرض الإسراع بإجراء انتخابات رئاسية تحقق على الأقل للشارع والحراك مطلبين أساسيين هما رحيل حكومة بدوي ورئيس الدولة عبد القادر بن صالح ووجود رئيس منتخب ومخاطب رسمي للشعب، يمكن التوجه إليه بالمطالب.
وقال عبد النور بروسي، وهو بائع صحف في شارع ديدوش مراد وسط العاصمة الجزائرية، إنه كان معترضاً على الانتخابات، لكنه غيّر موقفه قبل فترة بسبب غموض الوضع وتعقّد الأزمة. وأضاف لـ"العربي الجديد": "الحقيقة أنني كنت ضد الانتخابات، خصوصاً بعد الإعلان عن المرشحين الخمسة، لكن نقاشي مع الناس وملاحظاتي لتطورات مرتبطة بالوضع المعيشي وغيرها دفعتني إلى التساؤل، إلى أين نذهب، وانتهيت بعد تفكير إلى ضرورة ان نذهب إلى الانتخابات".
ويشاطر كثيرون في الجزائر موقف عبد النور، خصوصاً من التجار الذين بدأ مؤشر الخسارة يدق أبوابهم بفعل التداعيات المرتبطة بالأزمة، وتوقف العجلة الاقتصادية والتجارية وحركة رؤوس الأموال في البلاد. لكن متابعين يعتقدون أن كتلة هامة من الداعين للانتخابات الرئاسية من الأحزاب والتنظيمات والشخصيات المستقلة، لا تنطلق في موقفها من نفس المنطلقات كقناعة بأن الانتخابات خيار أفضل وحل أقل كلفة بالنسبة للبلد، بقدر ما تطرح موقفها الداعم للانتخابات في سياق الالتصاق بمواقف السلطة مهما كان اتجاهها. وتبرز في السياق تنظيمات اتحاد الشغل واتحادات الطلبة التي كانت نفسها تدعم في مارس/آذار الماضي ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، عكس الخيار الشعبي حينها.