شفافية بلا عدالة:الموازنة الأردنية لا تراعي احتياجات الناس

04 ابريل 2016
احتجاجات للمطالبة بتأمين لقمة العيش (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
تمكن الأردن من الحصول على 55 نقطة من أصل 100 نقطة، في مسح الموازنة المفتوحة لعام 2015، الصادر عن منظمة الشراكة الدولية للموازنات، والذي يقيس شفافية الموازنة العامة للدول. واحتلت المملكة المركز 33 عالمياً بين 102 دولة، والمركز الأول عربياً. وقد أحدث التوجه الرسمي لنقل المسائل المالية من الغرف المغلقة إلى الفضاء المفتوح، تقدماً لا شك فيه، وسط بيئة كانت تنشد حتى فترة قريبة ضبط الوضع المالي للحكومة وأوجه إنفاقها.
المفارقة الحاصلة، هو أن الموازنات التي سجلت هذا التقدم لم تحصد ارتياحاً مماثلاً شعبياً، حتى على صعيد البرلمان، والذي ناقش الموازنة الأخيرة في ثماني جلسات خلال أسبوع فقط، ثم وافق عليها برفع الأيدي، بعدما فشل في إحداث تغيير يطاول الجانب الأكثر تأثيراً على حياة المواطن ومستوى معيشته. وهو ما دفع أحد النواب للاعتذار عن صمته، والإعلان عن حجبه الثقة عن موازنة عام 2016، بسبب "اتباع سياسة اقتصادية أدت إلى رفع مستويات الفقر، والبطالة، والتهميش، وارتفاع المديونية وعجز الموازنة العامة".
بين حماسة المركز المتقدم على مستوى الشفافية، وفشل إجراء نقاش مناسب، تظهر أوجه الأزمة الاقتصادية.

فالموازنات وفق الخبير الاقتصادي وليد الخطيب ما زالت جباية في الأردن، بعيدة كل البعد عن معالجة أسباب المشكلات التي تعاني منها البلاد، والتي لم تحظ إلا باهتمام ضئيل من قبل الحكومات المتعاقبة خاصة بعد تبني نهج الخصخصة قبل نحو عقدين تقريباً. ويقول الخطيب لـ "العربي الجديد": بدلاً من وضع وتنفيذ سياسات تؤسس لمعالجة الأوضاع، يجري إعداد الموازنات لدعم قطاعات الخدمات الأساسية بموارد ضعيفة، رغم أنه من الأجدر تشخيص المعضلات ووضع الحلول السليمة لمعالجة أهم ظاهرتين مقلقتين وهما: العجز المتنامي، وارتفاع الدين العام. إذ إن تداعيات كل منهما تؤثر بشكل سلبي على نمو الاقتصاد وعلى عملية التنمية برمتها".
يقدر العجز الحالي للموازنة العامة بنحو 1.2 مليار دولار تقريباً وفق بيانات وزارة المالية، فيما يبلغ حجم صافي الدين العام نحو 32 مليار دولار، مشكلاً ما نسبته 84.1 % من الناتج المحلي الإجمالي.
يعتقد الخبير الاقتصادي محمد السعود أن عملية صنع السياسات الاقتصادية تُحضر بمعزل عن المشاركة والشفافية. إذ إن أكثر القرارات التي تصدرها الحكومة، والتي تمس حياة المواطن لا تصب في مصلحته، وغالباً ما تُواجه بامتعاض وسخط شعبي. ويقول: "رغم النمو المطرد بحسب تصريحات الحكومات، إلا أن نمو الناتج المحلي الإجمالي تراجع من %3 في عام 2014 إلى 2.3% في عام 2015، ولا يوجد أي شعور إيجابي لدى المواطن بأن هناك من يعمل لأجله. وهو ما يعتبر ظاهرة خطيرة داخل أي مجتمع. فغياب ثقة المواطن بحكومته، يخلق حالة من التفاعل السلبي إزاء كل إجراء حتى ولو كان يحمل انعكاسات إيجابية على المستوى العام". ويرى السعود أن المواطن ما زال يتحمل عبئاً كبيراً بسبب الوعاء الضريبي، خاصة ضريبة المبيعات، إذ تؤثر بشكل غير عادل على الأسر ذات الدخل المنخفض. علاوة على الضرائب غير المباشرة التي لجأت الحكومة إليها لخفض عجز موازنتها. إذ كان من الممكن، بحسب السعود، الالتفات للضرائب المباشرة كضريبة الدخل على الشركات لدعم الوعاء الضريبي وتوزيع حصة أكبر من العبء الضريبي على ذوي الدخل المرتفع، بدلاً من وضع طبقة الأثرياء في سلة واحدة مع الطبقة الضعيفة.

معاناة المواطنين 

قبل أيام قليلة، دوّن المواطن (هيثم م.) على صفحته الفايسبوكية عبارة قال فيها: "سؤال مليان حزن... متى آخر مرة أكلت لحمة بلدي؟ من حقك أن تمتنع عن الإجابة. وتكتفي بالبكاء". وفي الفترة ذاتها كتبت (شيرين م.) ناشطة في إحدى مراكز دعم حقوق الإنسان، "وين الأمن الاجتماعي، لما يجي أب لا يتجاوز الـ 45 عاماً، ليرجو صاحب محل، بتوفير فرصة عمل له بالتنظيف، أو أي فرصة، وهو يبكي من أجل توفير خبز لأبنائه".

تصل يومياً إلى مسامع الحكومة تساؤلات كهذه، فيكون رد الأخيرة على الشكل التالي "استحوذ قطاع التنمية المحلية، على الجزء الأكبر من إجمالي النفقات الرأسمالية المقدر بنحو 1846 مليون دولار تقريباً، حيث حصل على ما نسبته 21.5%. فيما ارتفعت مخصصات الحماية الاجتماعية نحو 113 مليون دولار، لتصل إلى 2.3 مليار دولار، مقابل 2.1 مليار دولار في عام 2015، متضمنة دعم المواد التموينية والمعونة النقدية...".
يقول الخبير الاقتصادي سميح الإبراهيم: "لا يوجد حتى الآن ما يدل على الأثر التنموي الفعلي لهذه النفقات، فاستمرار الفروقات في معدلات الفقر بين المدن من جهة، والأقاليم من جهة أخرى، يقلل حتماً من فرص توليد الدخل في المناطق الهشة، كما يضعف قدرتها على التأقلم مع الأوضاع الاقتصادية التي تستجد، تبعاً للظروف السياسية التي تعيشها المنطقة". يضيف لـ "العربي الجديد": "فيما ارتفعت معدلات البطالة، بقيت فرص العمل غير منسجمة من حيث الكم والنوع مع الطلب الفعلي".
يتابع: "بسبب ارتفاع تكاليف المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الأساسية، أصبحت غالبية العائلات الضعيفة غير قادرة على تغطية نفقات فاتورتها الغذائية الشهرية، رغم ما تسببه فواتير الخدمات العامة الأخرى من ارتباكات مالية في ظل هذا العجز الذي تعيشه شرائح أسرية متعددة داخل المجتمع". ليختم "لا نعرف بالضبط كيف تفكر الحكومة لمعالجة هذه الاختلالات، وكيف ستضمن لمواطنيها وعلى قدم المساواة الحق في مستوى معيشي لائق، من خلال موازنات كهذه".

المساهمون