الأردن الكئيب:الفقر والبطالة يدفعان الشباب للانتحار

30 مايو 2016
المشكلات الاقتصادية تخنق الأردنيين (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
في السنوات الخمس الماضي، ورغم التصريحات المطمئنة، ظل موضوع الانتحار في الأردن حديث المواطنين، إذ يرتفع مؤشر الموت بين عام وآخر بموازاة هبوط واضح لمؤشر السعادة، الذي تراجع وفق محاور قوة الشبكات الاجتماعية والفساد، والتعليم والصحة، ومستوى معيشة الأفراد، من المرتبة 72 بين عامي 2010-2012 إلى المرتبة 82 عالمياً والمرتبة 9 عربياً في عام 2015، وفق التقرير الصادر عن الأمم المتحدة.
تظهر هذه المؤشرات أسباب تنامي فكرة "الهروب النهائي من الحياة" التي تبناها مطلع هذا الشهر خمسة شبان حاولوا رمي أنفسهم عن سابق إصرار من أعلى مبنى بالقرب من مبنى وزارة الداخلية الشهير وسط العاصمة عمان.
وبخلاف حوادث مماثلة، جرى المشهد بشكل علني، وأُرفق برسالة تربط دوافع الشباب الخمسة إلى مغادرة الحياة بعامل البطالة، وهي المرة الأولى التي توجه فيها أصابع الاتهام علانية إلى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد، كباعث على الاكتئاب النفسي واليأس الاجتماعي. هذان العاملان الرئيسان يقفان وراء زيادة أعداد المنتحرين خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث ارتفع العدد من 39 منتحراً في عام 2011 إلى 113 منتحراً في عام 2015، وفق بيانات إدارة المعلومات الجنائية في الأمن العام.
وعلاوة على تصدّرهم قائمة المنتحرين سنوياً بحسب منظمات حقوقية مستقلة، نسب الأمن العام الأردني إلى العاطلين عن العمل 2273 جريمة أخرى في عام 2015، توزع توصيفها بين "مخلة بالثقة والآداب العامة"، وبين "الخطر على السلامة العامة "، وسجل 1416 جريمة مرتبطة بالأموال العامة.
يرى الخبير مسعف رمضان أن عوامل عديدة تقف خلف الكثير من جرائم الانتحار في المجتمع الأردني، منها تبدل أنماط السلوك الاجتماعي، وتغيّر الظروف الحياتية، وازدياد الضغوط المعيشية، حيث أدت جميعها إلى ظهور اختلالات نفسية، وأدت إلى حصول ما يسمى بالاكتئاب الجماعي، نتيجة إحساس المواطن بالاغتراب والإحباط اللذين ولّدهما عجزه عن مجاراة التطورات الحاصلة في المجتمع، وخاصة منها الاقتصادية، حيث خلق الانفتاح الاقتصادي كالخصخصة وتحرير التجارة والأسعار هوة معيشية كبيرة بين متطلبات الاستهلاك ومداخيل نحو 90% من السكان.

ويقول: "لايزال القسم الأكبر من الأسر يعيش على مدخول لا يزيد عن 500 دينار في أحسن الأحوال"، مشيراً إلى أن حالة عدم التوافق هذه، أضرت كثيراً بصحة المجتمع، حيث يوجد فرد داخل كل أسرة من نحو 34% من الأسر الأردنية مصاب بمرض مزمن، وفرد من نحو 39 % من الأسر مصاب بمرض ارتفاع ضغط الدم، و11% ممن أعمارهم 25 سنة فأكثر، مصابون بذات المرض، بينما تستقبل العيادات النفسية من 70 إلى 200 مراجع يومياً يعانون من متاعب نفسية مختلفة.

وقبل عدة أشهر، حاول شاب إضرام النار بنفسه في منطقة الهاشمي شمالي، شرق عمان، مستحضراً مشهد التونسي محمد البوعزيزي، تم إنقاذه في اللحظات الأخيرة، لكن التفسير الرسمي أرجع الحادثة إلى وجود علة نفسية، إلا أن هذه الرواية لم تكن سبباً لاقناع مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، حيث نشروا على صفحاتهم أن إقدام الشاب على الانتحار نتيجة تردي الوضع المالي الذي عاشه في السنوات الثلاث الماضية.
يشكو الاقتصاد الأردني من مشاكل مزمنة، أضعفت من فرص نموه السنوي. إذ تشير بيانات البنك المركزي ودائرة الإحصاءات العامة إلى أن نسبة النمو تراجعت من 3.1% في عام 2014 إلى 2.4% في عام 2015 في وقت بلغ فيه عجز الموازنة العامة للدولة نحو 1026.5 مليون دينار تقريباً مقارنة بـ 899.9 مليون دينار في عام 2014. كما بلغت نسبة صافي الدين العام إلى الناتج المحلي 82%.
ويكشف هذا التراجع، كما يقول الخبير الاقتصادي وليد الخطيب، وجود معضلات هيكلية داخل الاقتصاد، ترتد انعكاساتها السلبية على أفراد المجتمع، حيث حالت هذه المعضلات دون وجود قيمة مضافة لدى أغلب المشروعات القائمة، بسبب سوء التخطيط واعتماد سياسة استثمارية غير مربحة اجتماعياً، فضلاً عن إفقارها للمجتمع نظراً لازدياد نسب البطالة والتضخم. ويقول لـ "العربي الجديد": "إلى جانب قلة الموارد الضعيفة أصلاً، لم يتمكن قطاع الاستثمار من خلق فرص عمل للشباب، لأن معظم الاستثمارات اقتصرت على الجانب الخدمي والاستهلاكي، بينما فاضت الاستثمارات الصناعية بالعمالة الأجنبية، مع أن هناك نحو 350 ألف طالب على مقاعد الدراسة يقصدون بعد تخرجهم سوق العمل، فيما تعتبر فرص العمل والتوظيف محدودة".
وتقدر دائرة الإحصاءات العامة متوسط معدل المشاركة الاقتصادية للفئة العمرية حتى 24 عاماً بنحو 18% بينما بلغ متوسط نسبة العاطلين عن العمل للفئة ذاتها 48.1%. وتشير البيانات إلى ارتفاع معدل البطالة خلال الربع الأول من عام 2016 إلى 14.6% وهي أعلى من معدلها السنوي المعتاد، حيث بلغ المعدل بالنسبة إلى الذكور نحو 12.7% مقابل 23.7% للإناث، في حين ارتفع معدل البطالة بشكل كبير بين حملة الشهادات الجامعية العليا ووصل إلى 20.2% مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى. فيما بلغت نسبة العاطلين الذكور من حملة البكالوريوس فأعلى نحو 22.2% مقابل 76.7% للإناث، في حين سُجل أعلى معدل للبطالة لدى الفئتين العمريتين (15- 19عاماً) و(20-24 عاماً)، بين 42.6% و33% لكل منهما على التوالي.
ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد السعود أن ارتفاع نسبة البطالة وتراجع الدعم المجتمعي، وانتشار الفساد في المؤسسات العامة والخاصة، وتفاقم مديونية الحكومة، وتدهور الوضع المالي للأسر، عوامل أثرت بشكل كبير على استقرار المجتمع الأردني.
وتشير نتائج دراسة حديثة لمؤسسة "بيو" إلى أن 73% من الأردنيين لديهم نظرة سلبية عن الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
المساهمون