جيل تربى على "صليل الصوارم"... معركة بلا سلاح

30 يونيو 2016
(مقاتلون عراقيون، تصوير: حيدر حمداني)
+ الخط -

في قرية من القرى النائية المحيطة بمدينة سامراء وجزيرتها، كانت المعارك بين القوات الأمنية بجميع أشكالها الرسمية وغير الرسمية، وبين "داعش" جارية بشكل شبه يومي؛ كرّ وفر وهجمات متبادلة، قبل أن يتمكّن الجانب العراقي من تحرير هذه المناطق.

يروي علي السوداني الذي كان في تلك القرية مقاتلاً مع أحد فصائل الحشد الشعبي في حديث إلى "جيل العربي الجديد" لحظة مفصلية من حياته: "أردت أن أجرّب شيئاً، توجهت نحو مجموعة من الأطفال، أكبرهم لا يتجاوز الثالثة عشرة، وصرخت "دولة الإسلام" فصرخوا جميعا: باقية!". ويبين أن التطرف "نتاج البيئة والجهل وتراكمات الماضي والحاضر، والفهم المغلوط للدين".

يقول: "وصلت وقتها مرحلة من التشدد الديني، لكني لم أحمل نوعاً من الضغينة أو الحقد، ولم أكن مستعداً لتكفير أحد فقط لأنه يخالفني في الفكر أو العقيدة".

ويرى أن "جميع المناطق ستتحرر في نهاية الأمر، بعد ذلك علينا مواجهة مستقبل يغص بمشاريع إجرامية، إذ لا يبدو أن أحداً يعي أننا أمام جيل تربى على مشاهدة "صليل الصوارم" بدلاً من أفلام الرسوم المتحركة".

يحاول السوداني محاربة التطرف بنشر مشاهداته من خلال تجربة القتال التي خاضها ضد التنظيم ونجاحه بالتخلص من كل رواسب التشدد، بعد أن ترك القتال وعمل كإعلامي في هيئة الحشد الشعبي.


تأويل وتلقين
يعزو الإعلامي عاصف الخزرجي توجه الإنسان لعقيدة ما إلى التلقين في فترة طفولته غالباً، مشدّداً على أن "الإنسان لا يتجه إلى عقيدة ما بسبب خلل نفسي، على العكس من ذلك العقيدة إذا كانت متطرفة فإنها تشوه الإنسان وتصنع في نفسه العلل. نعم. العنف والشهوانية أمراض ترتبط بشكل مباشر بالعقائد المتطرفة ولكن منشأها من التنشئة العقائدية نفسها".

يضيف الخزرجي: "كمثال على ذلك، نجد أن التحرش بالمرأة يتناسب طردياً مع التشدد في الحجاب والنقاب والعزل بين الجنسين، وكلما كانت العقائد تدعو للهروب من الدنيا إلى الآخرة كان الإنسان أقل اهتماماً بإنجاز شيء في هذا العالم ويحول أنظاره إلى الانتحار في سبيل الله".

"قراءة ذات طبيعة متطرفة وحَرْفية للنص الديني" يعرّف الخزرجي التطرف، ثم يواصل حديثه: "في كل ديانة تستند إلى نص مقدس هناك هامش واسع للتأويل، كل القراءات المتطرفة منها والمعتدلة تستند إلى النص نفسه، لكن القراءة العقلانية ستنتصر في النهاية، فتاريخ البشرية تاريخ تطور وارتقاء مستمر". ويشير إلى أنه "من طبيعة العقيدة أنها هوية وحاضنة ثقافية، والتطرف بوصفه قراءة دينية ينتج هوية ثقافية بالتأكيد".


بيئة غير مستقرة
يذهب الباحث الاجتماعي واثق صادق في تفسيره لظاهرة التطرف إلى الظروف البيئية والنفسية التي تساعد على تهيئة الفرد في أن يكون متطرفاً. وإن ظاهرة كهذه لا بد أن يكون لها بذور في البنية الاجتماعية القائمة، لكنها تظهر أو تضمحل لدواع واقعية وظروف بيئية تعمل على جعلها واسعة الانتشار تارة، أو تعمل على حسرها والتضييق عليها تارة أخرى.

يقول في حديث إلى "جيل العربي الجديد" إن "البيئات الاجتماعية غير المستقرة داخلياً من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي الأبرز على صعيد تنمية وتعزيز تيارات التشدد والتطرف، لا سيما إذا رافقتها بنية ثقافية مجتمعية قيمية مبنية على التعصب والانحياز وعدم تقبل الرأي الآخر من جهة، ومؤسسة على مفاهيم التغالب الذكورية من جهة ثانية، وغير قائمة على مبدأ التعايش والتساند".

للطبيعة الفكرية للفرد جانب مهم في صناعة المتطرّف كما يرى صادق؛ لأن "التطرّف يقترن بالتعصب الفكري، لذا، فعندما لا يتمكن الفرد أو الجماعة من تقبل قيم ومعتقدات وأفكار لا تتطابق مع قيمه وأفكاره، أو يتجاهلها، فهذا يعد مؤشراً أوليا للتطرف".

يضيف "في مجتمع مأزوم ومنقسم بسبب الصراعات بين الجماعات الإثنية أو الدينية، لا يمكن الجزم بشكل قاطع بأن موجة التطرّف ستكون من نصيب أصحاب التعليم الواطئ أو المتدني. إذ يؤدي سوء فرص الحياة، وما ينتج عنه من إحباط من جانب آخر إلى انخراط حملة الشهادات العليا من المتخصصين في المجالات العلمية والمعرفية الإنسانية في كثير من التنظيمات المتشددة على اختلاف أنواعها خاصة في البلدان العربية التي تشهد توتراً داخلياً".

ويؤكد صادق الدور المهم الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في خلق مناخ مضاف إلى مناخ بيئة الفرد لتنمية التطرف من خلال اللعب على الوتر العاطفي للجماعات بشكل عام: "إن الجماعات المتشددة بشتى أشكالها، استعانت منذ وقت ليس بقصير بكثير من تلك التقنيات التواصلية المتقدمة، خاصة موقعي تويتر وفيسبوك، من خلال نشر الأفكار والبيانات والصور ومقاطع الفيديو التي تتبنى من خلالها الأعمال التي تنفذها، وتروج لها، وتستدر بها عطف الأفراد ومساندتهم، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، شيوع الخطاب المتطرف بين الأفراد الاعتياديين من غير المنتمين إلى جماعات متشددة معلنة أو غير معلنة".

ويختم صادق حديثه بأن "الحرب وحدها لا يمكن أن تكون الحل للخلاص من التطرف، بل قد تكون سبباً لتطرف أكبر إن لم ترافقها خطة استراتيجية وسياسة اجتماعية تتبنى فلسفة يمكن لها العمل على تصحيح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام".

المساهمون