كرم خله..."شيخ العرب" الألماني

20 نوفمبر 2017
شيخ العرب..أكثر من نصف قرن من الاغتراب(العربي الجديد)
+ الخط -


بترحاب وحفاوة قابلنا المغترب الثمانيني كرم خله في مكتبه ومعرض كتبه في هامبورغ. ليس هناك من فراغات كثيرة بين الكتب الصادرة، ومعظمها بالألمانية، ويبدو الأمر كأنه "دار نشر" خاصة. يغيب عنها، إلا ما ندر إصدار بالعربية، حيث يعترف لـ"العربي الجديد" بأنه أصدر خمسة كتب فقط، وبأنه "مقصر في هذا الأمر، لكن معظم قرائي هم من الألمان".

عامان فقط مرا على رحلته من مصر في أواخر الخمسينيات قبل أن يحقق في 1960 ما غادر وطنه لأجله "فالتحصيل العلمي كان هدفي، وأنهيت الدكتوراه بعد عامين من وصولي إلى هنا". ولم يمض وقت طويل حتى انكب خله على الكتابة في التاريخ والعلوم الإنسانية، إلى جانب دعوة جامعة هامبورغ له ليعمل فيها أستاذا في قسم "علم الاجتماع"، وقد بقي يدرس منذ تخرجه حتى تقاعده "لأتفرغ بعدها لكتابة المزيد من المؤلفات"، حسبما يذكر لـ"العربي الجديد".

في البحث عن إصداراته، المنتشرة حولنا في غرفته المتواضعة، والتي تتحول إلى صالون وحلقة نقاش كل يوم خميس لمدعوين ومهتمين ومحاضرين، نجد أنها تخطت المائة إصدار.

في سبر هذا التاريخ الطويل من الاغتراب يكشف خله عن وجه آخر من اغترابه العلمي. فعلى الرغم من حصوله على الدكتوراه عام 1960 والبدء في التدريس "إلا أنني لم أستطع إلا أن أكون طالبا مرة ثانية". ينتسب مرة أخرى إلى كلية الطب في قسم الأعصاب في جامعته هامبورغ، إلى جانب عمله، ويتخرج أيضا حاملا لقبا جديدا "البروفسور كرم خله". وبجدارة واحترام ينظر إليه محيطه الألماني الذي أصبح في وسطه العلمي شخصية مرموقة وتعبيراً عن النجاح في مقصد البحث العلمي.

ورغم انشغالاته بالدراسة والتدريس، إلا أنه وفي زمن مبكر جدًا ذهب نحو العمل مع "الطلاب الأجانب ضمن رابطة متخصصة بشؤونهم"، وقد ترأسها منذ تأسيسها.

الخمسينيات وواقع الهجرة الحالي

بدا من حديث خله، بحيوية شبابية، حماسة كبيرة لواقع مصر في خمسينيات القرن المنصرم، كيف لا "وقد توجهت أنظار العالم الأوروبي إلى العالم العربي، وخصوصا إلى مصر بعد ثورة يوليو. انتشر في ذلك الحين ما يشبه البذخ في المنح الدراسية المقدمة للطلاب المتفوقين".

لم يمض وقت على تخرجه من كلية اللاهوت في القاهرة حتى وجد نفسه بين اختيارين: منحة فرنسية وأخرى ألمانية. وبالرغم من إتقانه الفرنسية والإنكليزية، بفعل التحاقه بمعهد أديسون للغات إلى جانب دراسته في القاهرة، إلا أنه اختار ألمانيا. وقبل أن يتحدث خله عن تاريخه المهني يذكر أنه "لم أجد صعوبات ومعيقات في اللغة الألمانية، فمقارنة بقواعد العربية قواعدها ليست معقدة. وعلي أن أفكر أكثر باللغة العربية وقواعدها حين أنكب على إصدار تأليف أو كتابة مقالة".


من المثير أثناء الاستماع لمقاربات هذا المجرب للهجرة القديمة أن يذكر بأنه لم يكن قد مضى عقد ونيف على نهاية الحرب العالمية الثانية قبل أن يحضر مهاجرا" فالدراسة لمهاجر مثلي كانت أفضل في الوضع الذي وجد ابن ألمانيا نفسه فيه بعيد كل الدمار والفقر الذي حدث فيها. كان ذلك الزمن يحتفي ويرحب فيه الناس بالطالب الأجنبي والعربي، ما أشعرنا ببعض الألفة وخفف عنا الغربة عن مصر". لكن شيئا قد تغير في ألمانيا "بعد أن انتشرت اليد العاملة الأجنبية التي استقدمت لإعادة الإعمار، فأصبحنا أمام نظرة ترى في هؤلاء، وخصوصا أصحاب البشرة المختلفة، أقل شأنا عملا ومعاملة".

تغيرات الزمن

كرم خله، وبالرغم من أنه قبطي مصري، فقد غيرته رحلة المهجر، مثلما تغير واقع ألمانيا، وانتشرت فيها الشعبوية والنظرة الدونية لليد العاملة الأجنبية. فبات من المعروفين في دفاعه الشرس عن العرب والعروبة والإسلام، وأطلق عليه محيطه ومحبوه من العرب والأجانب لقبا محببا "شيخ العرب"، وهو اللقب الذي عرفه به طلبته أيضا.
ما من شك لدى عالم الاجتماع والطبيب أن "الظروف الناشئة تكيف الإنسان ومعها تجري تغييرات على ظروفه وواقعه وشخصه".

المساهمون