خسارة السويد

16 ابريل 2017
+ الخط -
لسنوات خلت كانت السويد البلد الاسكندنافي الأقرب لقضايا العرب، وخصوصا فلسطين. هذا إلى جانب تحول بعض مدنها وضواحي عاصمتها استوكهولم لما يشبه تجمعات عربية تضم مئات آلاف المهاجرين واللاجئين. السويد عرفت بتحدي سياسييها، وخصوصا رئيس وزرائها الراحل أولف بالمه، لسياسات دولية كثيرة فيما يتعلق بقضايا العرب، وعموم العالم النامي.

وبالرغم من أن اليسار ويسار الوسط ظل يحافظ على ذلك الإرث التاريخي، وتفرد استوكهولم بنظرة قد لا تروق لكثيرين في مجالات حقوق الإنسان، فإن السنوات الأخيرة بدأت تشهد نوعا من التراجع على صعيد الداخل. حين تسأل السويديين عن التحولات فإن ذلك ليس مرده أن السويد صارت أقل اهتماما بالعدالة واحترام التنوع في مجتمعها. فالذين يتجهون نحو اليمين، حزب "ديمقراطيي السويد"، يرون صراحة بأن بلدهم "تراخى كثيرا في مسائل المهاجرين".

يستشهد هؤلاء بتصرفات البعض في العاصمة ومدن مثل غوتيبورغ ومالمو قائلين: "يصعب فهم كيف يعيش البعض في بلدنا وكأنهم لم يعرفوا شيئا عن ثقافتنا وقوانيننا".

التحولات ونغمة النقد المرتفع بين مؤيدي يسار الوسط باتت تصل لرئيس الوزراء ستيفان لوفين، وهو يرى اليمين يسحب ناخبيه نحوه. لم يكن هجوم استوكهولم يوم الجمعة الماضية وحده الذي فجر الجدل السويدي عن ضرورة تشديد القوانين. فقد سبق ذلك ممارسات كثيرة لم تكن تعبر كثيرا عن حالة من التأقلم والاندماج.


ممارسة ما يسميه منتقدو لوفين بـ"الكنس تحت السجادة"، في إشارة لغياب نقاش صريح حول قضايا الهجرة، فاقمت الفرز في واحد من أكثر المجتمعات الاسكندنافية، وعموم الشمال، انفتاحا وتفهما للثقافات الوافدة.

في عالم الفضاء المفتوح لم يعد أبناء تلك المجتمعات الغربية عاجزين عن فهم ما يدور حولهم بلغات أخرى. وسائل الإعلام، وحتى في صفوف اليمين، لديهم ما يشبه "المتخصصين" في مجال المراقبة والتصيد والعرض على الجمهور.

فقبل نحو عام لم تترك وسيلة إعلامية سويدية، ولا في دول الجوار، حادثة اعتداء لاجئ (بغض النظر عن أصله) على سيدة سويدية حذرت عجوزا من سرقتها. انهال الرجل عليها ضربا مبرحا بينما كانت الكاميرات تلتقط الحادثة ليجري عرضها وتفعل فعلها في كسب اليمين لمزيد من التأييد.

تلك الحادثة مجرد مثل على مجموعة من الحوادث التي انتشرت بشكل كبير. فبينما يحمل أحدهم هاتفه النقال متجولا في ما يشبه قبو عمارة تحول إلى مسجد لصلاة الجمعة، وقد غطت أرضيته مياه كثيرة، ليكيل اتهامات وشتائم بحق السويديين، الذين استقبلوه للتو كلاجئ، محملا إياهم مسؤولية انتشار المياه التي لم يزيلوها بدلا من أن يشمر عن ساعديه وساقيه مع آخرين لعمل شيء بنفسه.


أيضا أخذ السويديون الذين يراقبون ما ينشر تلك الحادثة وترجموها كإشارة مخيفة لما ينتظر مجتمعهم مع تلك الممارسات، التي يفترض أنها لا تعبر عن ثقافة العرب وثقافة المهاجرين عموما.


الإسقاطات التي تطاول مجتمعات الهجرة كثيرة، لكنها وإن بدت قليلة وتصدر عن حفنة من الناس فهي في دلالتها لدى مجتمعات مثل السويدي ليست مجرد حدث عابر، فعليها تتراكم ممارسات وتحولات تعزز من صفوف اليمين الشعبوي القومي.

الدخول في عراك بالأيدي والعصي في شوارع المدن، وهذا ينسحب أيضا على ألمانيا (في لايبزيغ قبل أيام) وغيرها من دول الاستقبال، من قبل مجموعات لاجئين ومهاجرين، وتحليل البعض سرقتهم باعتبارهم "كفارا يجوز ذلك"، أمور خطيرة جدا لا يكفي معها إنكارها، أو ممارسة كنسها تحت السجادة لتصبح وكأنها غير موجودة في مجتمعات الغربة.

مواجهة الحقيقة ومحاولة تفادي الخسائر قد تقي من حالة تصادم وخسارة أكبر لأبناء جيل ثالث ورابع ممن يشعرون بانعكاسات حرجة ومتفاقمة على الجميع. وليس بتغيير الاسم والهروب يمكن حل تلك التحديات التي وصلت بالفعل إلى رؤية مجتمع كان من أكثر المجتمعات انفتاحا و تأييدا، يقلب شفتيه ويرفع حاجبيه متعجبا مما وصلت إليه أوضاعه، يتجه نحو جعل اليمين في انتخابات العام القادم هو الرابح الأكبر. بالتأكيد التحولات اليمينية ليس سببها المهاجر واللاجئ، وتلك أمور يدركها من يعرف مجتمعات الغرب، بيد أن منح اليمين المتشدد غذاء لخطابه الشعبوي بممارسات مسكوت عنها يجعل من ذلك الخطاب هو الأقوى صوتا وتصويتا.


المساهمون