احتلال السياحة بالقدس.. إسرائيل تحاصر أهالي المدينة ثقافياً واقتصادياً

15 ابريل 2015
محال مغلقة في السوق الرئيسي في القدس (فرانس برس)
+ الخط -
اضطر المقدسي يوسف النتشة إلى تغيير تجارة دكانه، الموجود في سوق باب السلسلة بالبلدة القديمة، ثلاث مرات، بسبب ممارسات الاحتلال الهادفة إلى تضييق الخناق على أهل المدينة. حال النتشة يشبه مصير 250 تاجرا من أصل 1200 تاجر في القدس، اضطروا إما إلى تغيير تجاراتهم، أو تأجير محالهم أو إغلاقها.

النتشة، الذي ورث عن أبيه العمل في محل بقالة، اضطر، منتصف السبعينيات، بعد التضييق على حركة المقدسيين على طريق السوق المؤدي إلى حائط البراق بسبب المستوطنين، إلى التحول لتجارة التحف الشرقية، التي تعرضت لنكسة ثانية، بعد افتتاح سوق كاردو في الحي اليهودي من البلدة (أقيم على أنقاض حارة الشرف الإسلامية)، ما تسبب في سحب بساط الحركة السياحية والتجارية من تحت أقدام تجار الأسواق العربية.

يقول النتشة: "اضطررت إلى تغيير تجارتي، للمرة الثالثة، لبيع الأراجيل، لكنني أفتح المحل نصف يوم فقط، ثم أغلقه يوما أو اثنين، هذا الحال أفضل من إغلاق الدكان تماما، حتى لا أضعف صمود جيراني من التجار الذين يشكون الحال ذاته، ونترك كلنا السوق، ويتحقق حلم الاحتلال بوضع يده على المدينة، وإفراغها من سكانها".

التاريخ يعيد نفسه

"تخوفات النتشة من الحصار التجاري والسياحي، تؤشر إلى تكرار سيناريو وضع اليد على العقارات العربية في المدينة المقدسة"، هذا ما قاله مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري. ويؤكد الحموري على وجود خطة إسرائيلية ممنهجة، تعتبر الأخطر من نوعها، تهدف إلى تكرار عملية الاستيلاء على العقارات من خلال استغلال الديون المتراكمة على التجار تحت ما يسمى "إعلان إفلاس"، يتم بموجبه تعيين "قيّم" إسرائيلي على أملاك التاجر المقدسي، تكون مهمته تقييم ما لدى هذا التاجر من أملاك، وطرحها للبيع في المزاد العلني.

أمام باب محله، جلس جواد أبوعمر- صاحب محلات أبوعمر لبيع التحف الشرقية في حارة النصارى- يتبادل أطراف الحديث مع جيرانه، دون عمل، ويقول لـ"العربي الجديد": "هذا حالنا اليومي، نجلس للفرجة على القادم والذاهب دون بيع أو شراء، نكون محظوظين إذا بعنا بـ300 شيكل يومياً (67 دولارا)، أنا مجبر على دفع 7 آلاف شيكل (1775 دولارا) كضريبة سنوية للمحل، حالي أفضل من غيري، هناك من يدفع 25 ألفاً (6340 دولارا)، لا أستطيع تغيير تجارتي، ولا أستطيع بيع المحل، أنتظر دعما ما، لكن لا أتوقع الحصول عليه".
يوضح أبوعمر أن "البلدية حولت طريق السياح إلى باب الخليل وباب المغاربة، وحرمت التجار العرب من مرور السياح أمام محالهم، بحجة احتفال المسيحيين بعيد الفصح، وكذلك بسبب الأعياد اليهودية".

تكشف إحصائية لمركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، عن خسارة تجار القدس، ومن بينهم تجار التحف والتذكارات، أكثر من 50% من القوى الشرائية، بسبب حصار الاحتلال الإسرائيلي للمدينة وخنقها بالجدار، ووضع الحواجز فيها، والتضييق على تجارها.

يؤكد المركز أن التاجر المقدسي صار معتمدا، خلال آخر 3 أعوام، على الزبائن المقيمين في القدس، الأمر الذي لا يعول عليه- بحسب المركز- لأن نسبة الفقر في القدس الشرقية، وفقاً لأرقام مكتب التأمين الوطني الإسرائيلي لعام 2014، بلغت 80%، ما تسبب في إنهاك التاجر المقدسي الذي أصبح يستهلك رأس المال لتغطية نفقاته ودفع ما عليه من مصاريف تشغيلية والتزامات ضريبية للاحتلال.

معاناة مكاتب السياحة العربية

"طالت معاناة الفلسطينيين، من الحصار السياحي والتجاري للقدس، جميع المرافق السياحية"، كما يؤكد رئيس جمعية المكاتب السياحية العربية في فلسطين، سامي أبودية. يكشف أبودية لـ"العربي الجديد" أن نسبة عمل مكاتب السياحة العربية، منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، لم تتجاوز الـ35%، بسبب السيطرة الإسرائيلية على المعابر والمنافذ، ومرافقة ممثلي مكاتبها السياحية للزائرين من بلادهم وحتى انتهاء رحلتهم في فلسطين. وفي حال تنسيق زيارات لمدن الضفة الغربية، تكون قصيرة ولا تستفيد منها المكاتب العربية.

يتابع أبودية: "مع نهاية عام 2014 وبداية العام الحالي 2015، تفاقمت المعاناة، بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، واندلاع المواجهات في المدينة المقدسة، والانتخابات الإسرائيلية، جميعها عوامل صرفت نوايا أصحاب رؤوس الأموال عن الاستثمار في المدينة. وفاقم من حدة المشكلة، انخفاض سعر صرف اليورو، فلم يلتفت أحد للترويج إلى المدينة محلياً وعالمياً، ولن تحقق المكاتب السياحية العربية، هذا العام، الأرباح المتوقعة، بل سيكون حجم عوائد المكاتب الأربعين في المدينة هو ذاته حجم صرفها، في مقابل ضخامة الدعم والتمويل الحكومي للقطاع السياحي عند الجانب الإسرائيلي".

حديث أبودية عن الاستحواذ، عززه تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية نشر مؤخراً، أشار إلى اعتماد اقتصاد إسرائيل السياحي على الوافدين المسلمين إلى القدس. وبحسب التقرير، فإن عام 2014 شهد وصول ما يزيد عن 26 ألف سائح من إندونيسيا، و17 ألفاً من الأردن، يقابلهم 23 ألفاً من تركيا، و9000 آلاف من ماليزيا، و3300 سائح من المغرب، وقد شهد شهرا يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من العام الجاري استقطاب 10 آلاف سائح مسلم"، لكن نصيب القطاع السياحي العربي من الأرقام السابقة هو الفتات.

فجوة فندقية

يتحرك رائد سعادة، مالك فندق القدس في المدينة المحتلة ونائب نقيب جمعية الفنادق العربية في فلسطين، في قاعة استقبال فندقه مشرفاً على كل تفاصيل العمل، إذ يمر وغيره من أصحاب فنادق المدينة المحتلة، بموقف لا يحسدون عليه، وفق ما وثقته "العربي الجديد" من إحصائيات، تشير إلى أن 28 فندقاً عربياً بسعة استيعابية تتراوح ما بين 1500 و1700 غرفة فندقية، غير قادرة على منافسة 4 فنادق إسرائيلية، بنيت على تخوم حدود عام 1967، تزيد في السعة الاستيعابية عن هذه الفنادق مجتمعة.


يقول سعادة "لم يعد القطاع الفندقي العربي قادرا على منافسة الفنادق الإسرائيلية، وأمسى بعد أن خسر السياحة الوافدة والدبلوماسية، فاقداً للهوية، بعد أن روّج الاحتلال للجزء الشرقي من المدينة على أنه واحد من حارات القدس الغربية". ويردف سعادة: "لم نعد قادرين وحدنا على مجاراة التهويد المستمر وارتفاع تكلفة التشغيل والتزامنا بدفع الضرائب ذات الأرقام الفلكية".

وفي سؤال لـ"العربي الجديد" عن المطلوب لإنقاذ الوضع، يقول سعادة: "ما نحتاجه اليوم هو الدعم والتمويل، لإنتاج برامج سياحية جديدة ذات نكهة فلسطينية تخفف من موسمية النشاط السياحي، وتوفر البرامج المناسبة لجميع الفئات المجتمعية الوافدة، وتستقطب السياحة الداخلية من خلال فتح أسواق تراثية ودعم القطاعات المساندة، مثل الحرف والأشغال اليدوية النسوية".

15 ألف دليل سياحي إسرائيلي و313 عربياً


"ثلاثون عاماً مرت، حرم فيها الاحتلال، الأدلاء السياحيين الفلسطينيين، من الحصول على رخص للعمل في القدس، والنتيجة كانت تهويدها سياحيا عبر 15 ألف دليل سياحي إسرائيلي، يقابلهم 300 من العرب"، هذه الأرقام الموثقة منذ عام 1997، طرأ عليها، وفقاً لنقيب الأدلاء السياحيين الفلسطينيين سمير بحبح، تغيير وحيد، تمثل في زيادة 13 دليلاً فقط خلال ثمانية عشر عاماً، والسماح لـ42 من حملة الهوية الفلسطينية الحاصلين على التصاريح من متقني عدة لغات بالعمل داخل ما يسمى حدود بلدية الاحتلال في القدس.

وصل التضييق على الأدلاء السياحيين الفلسطينيين، إلى فرض رقابة على ما يسردونه من شروحات تاريخية للمدينة. كما عمدت سلطة الآثار إلى تعقيد امتحانات مزاولة المهنة للأدلاء العرب وزيادتها صعوبة، ناهيك عن تعمد الإسرائيليين إظهار التجار المقدسيين بمظهر اللصوص والاستغلاليين وتوجيه السياح نحو سوق كاردو.

غياب الدعم الرسمي

تخصص السلطة الوطنية الفلسطينية ما نسبته 1% فقط من ميزانيتها للقدس، أي أقل من 20 مليون شيكل، يقابلها مليار ونصف المليون دولار هي موازنة بلدية القدس وحدها. وبأمر من وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي تم إغلاق الغرفة التجارية في القدس، وهي الجسم الجامع للتجار المقدسيين، ووفقاً لمديرها العام فادي الهدمي، فإن المدينة تعاني عزوفاً عن الاستثمار، ومحدودية الدعم بشقيه الداخلي والخارجي.

يقول الهدمي: "أطلقنا مؤخراً مشروع التجمع العنقودي، بدعم وتمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية، نهدف من خلاله إلى إحياء مكونات الاقتصاد الأساسية، وعلى رأسها صناعة الهدايا التذكارية والتحف الشرقية".

الرد الرسمي على الشكاوى التي وثقتها "العربي الجديد"، جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، جريس قمصية، الذي قال "ما يضعه الاحتلال من عراقيل ومعيقات، هو السبب في الحد من صلاحيات عمل الوزارة في المدينة المحتلة، نحن لا نستطيع ترخيص فنادق جديدة في القدس، لا نستطيع حتى إحصاء عدد السياح الداخلين إلى فلسطين عامة، بحكم سيطرة إسرائيل على المعابر والحدود، ولا يوجد أي تسجيل لنصيب القدس من السياح".

وحول زيادة حصة القدس من ميزانية الوزارة، أجاب قمصية "ميزانية الوزارة متواضعة، نعتمد على الدعم الخارجي للمشاريع القائمة".
دلالات