وأطلقت السلطات سراح القباني في ديسمبر/كانون الأول 2017، غير أنه لا يزال يتذكر تفاصيل الدقائق الأولى بعد ما أغلق باب زنزانته إذ تعارف من خلال فتحة في الباب على الموجودين بالعنبر وبعدما عرفوا أنه "صحافي يرفض العنف ومؤمن بالتغيير السلمي"، جاءت الفتوي سريعة بتكفيره من قبل أعضاء التنظيم الإرهابي، كما تم توجيه السباب والشتائم له وتهديده بالقتل إن لم يراجع أفكاره، "لكن الأسوأ من ذلك هو أن الصراع تطور للاشتباك بالأيدي" ما أدى في النهاية إلى تدخل محاميه من أجل نقله إلي عنبر 2 المتواجد فيه الإخوان.
وعاش الخمسيني أحمد سعد، تجربة قريبة من حالة القباني، إذ قضى بنفس السجن ثلاثة أعوام قبل أن يتم إطلاق سراحه في أغسطس/آب من عام 2017 بعد أن برأته المحكمة المختصة من تهمتي التظاهر والانضمام لجماعة محظورة.
سعد الذي يعمل مهندسا في مجال الاتصالات، قضى 18 شهرا في العنبر المخصص لقيادات متهمين في قضية كتائب أنصار الشريعة وآخرين على ذمة قضايا تنظيم أنصار بيت المقدس (بايعت تنظيم الدولة وتغير اسمها إلى ولاية سيناء) وآخرين من تنظيم الدولة حاصلين على أحكام بالإعدام، وآخرين ممن تعتبرهم إدارة السجن من الخطيرين حتي لو لم يكونوا حاصلين على أحكام بالإعدام ومازالوا رهن التحقيق أو المحاكمة.
ويروي سعد لـ "العربي الجديد" ما سماه بالأيام العصيبة في سجن العقرب، إذ كان معه في نفس العنبر الدكتور محمد طه وهدان عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، الذي يحاكم في عدة قضايا، بينما كان معظم أعضاء العنبر من المبايعين لأبو بكر البغدادي، موضحا أنهم كانوا يعتبرونه هو ووهدان من الكفار لا يصلى معهم أو خلفهم ولا يجوز الأكل معهم أو مخالطتهم بأي شكل، وهو منهج الدواعش في التعامل مع الإخوان المحبوسين معهم في السجون.
روايات القباني وسعد متكررة ومتواترة كما يؤكد المحامي والحقوقي أحمد عبد الباقي عضو هيئة الدفاع عن قضايا المعتقلين السياسيين المشكلة في مرحلة ما بعد يوليو/تموز من عدد من محامي التيارات الإسلامية.
وتضم سجون مصر أعدادا من المعتقلين قدرها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي يقوم برصد مستقل للاعتقالات السياسية، بـ 41 ألف معتقل منذ يوليو/تموز 2013، وهو العدد الذي يزيد وينقص من فترة لأخرى بحسب المحامي عبدالباقي، والذي أضاف لـ"العربي الجديد"، التقديرات متفاوتة وتصل حتى 60 ألفا، ولكن الكل مجمع على أن أكثرهم من الإسلاميين وتحديدا الإخوان، وهو ما يبدو له عبر مشاركته في الدفاع عن القضايا الخاصة بالمعتقلين قائلا "أستطيع أن أحدد العدد الأكبر في السجون بأعضاء جماعة الإخوان الذين يأتون في المرتبة الأولى بين عموم المعتقلين والإسلاميين، ويليهم ضمن تصنيفات الإسلاميين، مجموعات من السلفيين غير المنتمين إلى أي تنظيم، ويليهم أعضاء تنظيم الدولة أو الدواعش، وهم خليط بين أفراد وجماعات صغيرة بايعت تنظيم الدولة، من بينهم أعضاء في تيار السلفية الجهادية الذين كانوا في السجون قبل الانقلاب، وقد انضموا أيضا لداعش، وهناك أعداد أقل من تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد، وهؤلاء يمثلون عامل التهدئة بين الإخوان ومخالفيهم من التيارات الجهادية، بالإضافة إلى عشرات الجماعات التكفيرية والمتشددة التي ربما لا يزيد عدد أعضائها عن أصابع اليد الواحدة"، وتابع المحامي عبدالباقي، أن "تنظيم داعش نشط في سجني العقرب واستقبال طره".
اشتباكات داخل السجون
يشترك القباني وسعد في وجهة نظر واحدة مفادها أن تكفير الدواعش للإخوان يرجع إلى اعتبارهم عائقا أمام أفكارهم بسبب انتشار الجماعة الواسع وأفكارهم السلمية ورفضهم للعنف، ويتذكر القباني أن العلاقة بين الطرفين وصلت لحد أن يقوم الدواعش بالنداء على أي شخص من الإخوان مهما كان قدره أو مكانته بلقب كافر، فلا يناديه باسمه وإنما يناديه يا كافر يا مرتد، وهو نفس الحال مع عناصر الشرطة.
ورصد المحامي والحقوقي أحمد عبد الباقي الأزمات التي حدثت بين الطرفين في عدد من السجون، والتي كان أبرزها ما وقع في سجن الاستقبال بالقاهرة في مايو/أيار 2016، بعدما وصل لحد الاشتباك بآلات حادة سهلت إدارة السجن وصولها لعدد من المعتقلين، وقد نتج عنها إصابات بالغة، كما حدثت اشتباكات بالتزامن في سجن وادي النطرون، واشتباكات أقل في سجن العقرب، بالإضافة إلى اشتباكات في يونيو/حزيران من عام 2016، بعدما حاول العشرات من الدواعش الاعتداء على أعضاء من الإخوان، مشيرا إلى تحول وزارة الداخلية باتجاه عدم تسكين المعتقلين طبقا لانتمائهم السياسي أو الفكري كما كان يحدث سابقا، وإنما يتم تسكينهم طبقا لخطورتهم من وجهة نظر الأمن الوطني، وبالتالي فإن السجون خليط بين المعتقلين من مختلف التيارات الإسلامية، قائلا "في بعض الأحيان يختلف الوضع داخل عنابر السجن نفسه بتخصيص عنابر معظمها للإخوان وأخرى للدواعش أو غيرهم".
إشعال متعمد للأوضاع
يكفر أنصار تنظيم الدولة المحامين كما يضيف أحمد عبد الباقي، متابعا "دائرة التكفير تصل للقضاة الذين يحاكمونهم باعتبار أن من ليس معهم في فكرهم القائم على العنف والإرهاب هو طاغوت".
ويضيف الأربعيني شريف محمود والذي يعمل في مجال العلاقات العامة وقضى عامين بسجن وادي النطرون على ذمة قضية الاتهام بالدعوة إلى تغيير نظام الحكم ثم أفرج عنه في يناير/ كانون الثاني 2018 بقرار من محكمة جنايات القاهرة لعدم توافر الأدلة على اتهامه، أن إدارة سجن وادي النطرون المعروف بـ 440، كانت في البداية تفصل الدواعش عن معتقلي الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى غير التكفيرية، إلا أنه على فترات يتم دمجهم مع بعضهم البعض بهدف إشعال الأوضاع بينهم، وفي الأوقات التي يتم دمجهم مع الإخوان في غرف واحدة، فإن المشاكل والأزمات لا تهدأ، خاصة بين الشباب من الطرفين.
ما ذهب إليه محمود أيده الثلاثيني عبد الكريم منصور الشهير بأبي ناصر والذي قضى فترة حبسه على ذمة قضية أجناد مصر الأولى قبل أن يُطلق سراحه مؤخرا بعد حصوله على حكم بالسجن ثلاثة أعوام قضاها في سجن العقرب شديد الحراسة 1، في الفترة من فبراير/شباط 2014 وحتي أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017.
ويضيف أبو ناصر الذي يعمل فني صيانة بجامعة القاهرة لـ "العربي الجديد" أنه لم يكن عضوا في جماعة بعينها قبل سجنه، ولكن فوجئ بضمه لقضية أجناد مصر الأولى، والتي تعرف فيها على عدد من قيادات تنظيم الدولة، وتنظيمات أخرى لا يمثلها إلا أشخاص قليلون، إلا أنه يعترف أن "كثيرا من المفاهيم المغلوطة دفعته إلي تكفير من يخالفه في الرأي حتى قضى مدة من سجنه مع أحد العلماء الذي فضل عدم ذكر اسمه لأنه مازال معتقلا، وبدأ هذا الشيخ يوضح له حقيقة هذه المغالطات التكفيرية ما دفعه إلى مراجعة فكره" كما يقول.
وبالفعل فإن العمل على تنظيم مراجعات فكرية تستهدف من تأثروا بأفكار داعش داخل السجون، يعد عاملا وقائيا لحماية المجتمع من فكر التكفير وفق ما رصدته الباحثة الاجتماعية والحقوقية المهتمة بملف المعتقلين فاطمة عبد الله عبر إفادات أسر المعتقلين وخاصة الشباب، والتي تحذر من خطورة حبس المتشددين والتكفيريين مع الإخوان وغيرهم من الجماعات، إذ إن عددا من الشباب بدأ يتفاعل إيجابيا مع أفكار تنظيم الدولة.
وقالت عبد الله لـ "العربي الجديد" إنها اقترحت على المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية التعاون المشترك من أجل تحليل ظاهرة انتشار الأفكار المتشددة والعمل على علاجها، لكن دعوتها لم تلق استجابة، موضحة أن المعتقلين يقضون مع بعضهم البعض فترات طويلة بين أربعة جدران ويتحدثون في كل الأفكار والقضايا، ومنهم من يمتلك من المفاهيم الصحيحة ما يمكنه من مواجهة ظواهر الغلو والتكفير، ومنهم من لا يتمتع بنفس الثقافة والمعلومات، ما يستدعي تدخلا من الجهات الحقوقية للضغط على إدارات السجون التي تساعد على انتشار تلك الأفكار وتفاقمها من أجل توسيع الخلافات بين الطرفين، الأمر الذي يدفع ثمنه في النهاية أصحاب الأفكار السلمية الذين يقعون ضحية الاستبداد والتكفير وكذلك المجتمع إذ يتحول هؤلاء إلى قنابل موقوتة عقب خروجهم من محبسهم.