تجارة مواعيد التأشيرات... محتالون يتربصون بالجزائريين الحالمين بفرنسا

11 مارس 2019
محتالون يتربصون بمن يفشلون في نيل التأشيرة الفرنسية(العربي الجديد)
+ الخط -
فشل الثلاثيني الجزائري عماد لعمامري في الحصول على تأشيرة "شنغن" من السفارة الفرنسية بعد محاولتين خلال عامي 2014 و2015، ما دفعه للبحث عن طريق آخر لتحقيق حلمه في الهجرة إلى أوروبا، إذ تواصل مع القائم على صفحة تسمى "مواعيد فيزا شنغن" والتي ظهرت له في قائمة الإعلانات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وبالفعل وعده الشاب القائم على الصفحة بتدبير موعد له لإيداع أوراقه لدى الشركة المكلفة بجمع ملفات الراغبين في الحصول على التأشيرة ومن ثم ضبط ملفه وتوفير واسطة من أجل نيل التأشيرة، وبالفعل قدم له لعمامري صورتين شمسيتين ومبلغ 600 ألف دينار جزائري (5100 دولار)، على أن يتكفل القائم على الصفحة بباقي الأوراق (شهادة عمل وكشف الراتب وشهادة تأمين وحجز فندق في فرنسا وشهادة تأمين على السفر)، لكنه توارى فجأة عن الأنظار وأغلقت الصفحة، ما دفع لعمامري للتقدم ببلاغ رقم 6820 بتاريخ 3 مايو/ أيار من عام 2016، إلى مصالح الأمن ببراقي، جنوبي العاصمة، والذي قيد ضد مجهول بعد عدم تمكن قوات الأمن من الوصول إلى المتهم.

يقول لعمامري لـ"العربي الجديد": "ملفي رُفض في المرتين السابقيتين بحجة أنه ناقص رغم استكمالي جميع الأوراق وسداد المبلغ المستحق المقدر بـ8350 دينارا جزائريا (72 دولارا أميركيا)، كتكاليف موجهة للسفارة الفرنسية، بالإضافة إلى 3750 دينارا (31 دولارا)، للشركة الخاصة التي تجمع الملفات لصالح السفارة الفرنسية، ما أجبرني على التفكير في أي طريقة أخرى لنيل التأشيرة وتحقيق حلمي".


الحلم الفرنسي

قضية النصب على عماد ليست الوحيدة، ففي الفترة من عام 2016 وحتى نهاية 2017 وقع 36 شابا ضحايا لعصابات بيع مواعيد التأشيرة الفرنسية، وفقا للنائب البرلماني عن الجالية الجزائرية في فرنسا عبد القادر تومي، بعدما وصلت إليه بلاغات من الشبان ضحايا النصب خلال محاولات حصولهم على التأشيرة بطرق غير قانونية.

وتبقى التأشيرة الفرنسية هي المحبذة لدى الجزائريين بحكم العلاقات التاريخية بين البلدين إضافة للتبادلات الثقافية والاقتصادية وعامل اللغة، إذ لا يجد الجزائري مشكلة في التواصل باللغة الفرنسية علاوة على أن الفترة الكولونيالية تركت بصماتها، إضافة إلى الجالية الكبيرة الموجودة في باريس، كما يقول عبد القادر تومي.

وتمنح السفارة الفرنسية نوعين من التأشيرة، وهما تأشيرة قصيرة المدى مدتها أقل من 90 يوما لكل من مدراء المؤسسات والأطباء والمحامين والصحافيين والموظفين السامين في الدولة إضافة إلى الرحلات السياحية والطبية، أما النوع الثاني من التأشيرة فيتعدى 90 يوما وتمنح للمتزوجين بالفرنسيات الذين ينوون الإقامة بفرنسا والطلبة الذين ينوون مزاولة دراساتهم العليا هناك والأشخاص الذين سيمضون عقود عمل داخل التراب الفرنسي.

وتختلف ملفات طلب التأشيرة حسب كل حالة لكن تجتمع في شهادة التأمين وصور شمسية وشهادة عمل وكشف الراتب أو سجل تجاري إضافة إلى دعوة من مؤسسة أو أقارب في فرنسا، وإذا لم تتوفر، يتم طلب حجز مسبق في فندق، بحسب موقع الشركة المكلفة بجمع ملفات الراغبين في السفر إلى فرنسا نيابة عن السفارة الفرنسية بالجزائر.



نصف مليون طلب سنويا

تتزايد طلبات الجزائريين على تأشيرة شنغن الفرنسية كل عام، كما يقول المكلف بالإعلام في السفارة الفرنسية بالجزائر فيليب روجي، الذي كشف أن عدد طلبات الراغبين في الحصول على "الفيزا" خلال الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني من عام 2018 حتى 30 سبتمبر/ أيلول 2018 بلغ 600 ألف طلب، مُنح لـ450 ألفا منها تأشيرة، في حين تلقت القنصلية الفرنسية 630 ألف ملف في عام 2017 مُنح لـ410 آلاف منها تأشيرة، بينما في عام 2016 بلغ عدد طلبات التأشيرة 594.629 طلبا مُنح لـ410.522 منها تأشيرة، مقابل 570.646 طلب تأشيرة في عام 2015 مُنح لـ422.684 منها تأشيرة.

وسجلت نسبة الموافقة على منح الفيزا للجزائريين نموا بـ113 بالمائة منذ عام 2012، في حين بلغت نسبة رفض منح التأشيرة 27 بالمائة قبل عام 2016 والذي جرى تخفيضها خلاله إلى نسبة 10 بالمائة، بحسب روجي، لكن مهما زادت نسب منح التأشيرة للجزائريين إلا أن قضايا النصب على الباحثين عن التأشيرة هي الأخرى في ارتفاع، وهو ما يفسره النائب عن الجالية الجزائرية بفرنسا سمير شعابنة بأنه نتيجة شغف الشباب الجزائري بالحصول على التأشيرة بشتى الطرق بسبب حالة اليأس وعدم توفر فرص العمل، خصوصا لدى حاملي الشهادات الجامعية.



ترصد للضحايا

تنتهج عصابات النصب على الحالمين بتأشيرة فرنسا طرقا متنوعة للإيقاع بهم باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإعلانات، وفق ما يوضحه فريد فراح، وهو مستشار في الإعلام الآلي بمؤسسة اتصالات الجزائر، الذي حذر من التجاوب مع محتالين لديهم حسابات بأسماء مستعارة يقدمون عروض توفير مواعيد التأشيرة وضبط الملفات وادعاء تسهيل الحصول عليها، وفي الغالب يقع ضحايا سذج في أيدي هؤلاء بالنظر لشغفهم بتحقيق حلمهم بأي وسيلة.

طريقة أخرى ينتهجها المحتالون، إذ يتواجدون في محيط الشركة الخاصة التي تجمع الملفات لصالح السفارة، وهناك يتربصون بالضحايا، خصوصا ممن ترفض السفارة الفرنسية منحهم التأشيرة. وفي هذا الصدد، تقول نادية دريدي، رئيسة الجمعية الوطنية لترقية وحماية المرأة والشباب، إنها التقت ثلاثة شبان نهاية عام 2017 كادوا يقعون ضحايا عصابات نصب التقوا بأفرادها أمام مركز الشركة بالعاصمة، إذ وعدوهم بجلب التأشيرة الفرنسية، ولحسن حظ الشبان أنهم تفطنوا للأمر، بعدما طلبوا منهم مقدما ماليا.


إعلانات بيع المواعيد

في إبريل/ نيسان من عام 2018، أعلنت السفارة الفرنسية بالجزائر عن تغيير الشركة المكلفة بمنح مواعيد الحصول على التأشيرة وجمع الملفات بعد بروز مشاكل في ما يخص بيع المواعيد، وتعاقدت السفارة مع متعامل جديد، وبررت تغيير المتعامل بصعوبات شوّشت على نظام حجز المواعيد وإيداع الملفات، غير أن ظاهرة إعلانات بيع المواعيد لم تنته وتُمارس دون خفية وأمام مرأى الجميع، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الفيسبوك وتويتر، أو في واد كنيس (موقع إعلاني جزائري)، أو لدى أصحاب مقاهي الإنترنت، لكن الملفت للانتباه هو لجوء وكالات سياحية إلى ممارسة هذا النشاط، وفق ما وثقه معد التحقيق، الذي اتصل مدعيا بأنه زبون مع وكالة سياحة (تحتفظ الجريدة باسمها والمكالمة الهاتفية مع مالكها) موجودة بمنطقة العاشور، غربي العاصمة، وسأل عن مواعيد لتأشيرة فرنسا، فأكد صاحب الوكالة أن المواعيد متوفرة لديه، بينما هي بعيدة في موقع الشركة المكلفة بجمع الملفات بنحو شهرين إلى ثلاثة أشهر، وأضاف "يمكنني أن أنشئ لك حسابا بريديا على الإنترنت وبعدها أحدد لك موعد إيداع الملف وفق الزمن الذي تختاره"، وحدد سعر الحصول على موعد بـ15 ألف دينار (126 دولارا).

ويقول صاحب وكالة سياحية موجودة ببوفاريك، غربي العاصمة، رفض الإفصاح عن اسمه، إن أحد معارفه في الشركة المكلفة بجمع الملفات، يمنحه كل أسبوعين ما بين 10 مواعيد أو 15 موعدا نظير مقابل مادي ليعيد بيعها، وهو ما ترد عليه خلية الاتصال لدى الشركة المكلفة بجمع الملفات بأن الحيلة التي تستعملها وكالات السياحة للحصول على مواعيد هي ترقب الموقع عندما يطرح مواعيد جديدة على الإنترنت في فترات محددة للقيام بحجز أكبر عدد من المواعيد من الموقع ثم إعادة بيعها للمواطنين.

ويؤكد المكلف بالإعلام بالسفارة الفرنسية بالجزائر فيليب روجي أن بيع المواعيد غير قانوني، داعيا طالبي التأشيرة لحجز مواعيدهم عبر الشركة المكلفة بجمع وإيداع الملفات، قائلا إن المركز يستقبل يوميا ما بين 1000 ملف وحتى 1500 ملف.

وأضاف روجي: "ليست لدي حقائق حول تورط موظفين ببيع مواعيد، وتبقى ادعاءات لا أجزم بأنها صادقة"، وتابع قائلا إن السفارة الفرنسية هي المكلفة بدراسة الملفات ومنح تأشيرات قانونية، لذا فهي تدعو الجزائريين إلى عدم الوثوق في الوسطاء، مضيفا في تصريحات خاصة: "بالفعل لقد اطلعنا في الإعلام على وجود مواعيد تأشيرات مزورة للبيع، لكن نحن لا نعلق على هذه الأمور".


مخالفة القانون

تنص المادة 372 من قانون العقوبات الجزائري على أن "كل من توصل إلى استلام أموال بغرض الاحتيال وسلب ثروة الغير لتحقيق شيء وهمي أو خيالي، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وتسليط غرامة مالية من 500 دينار جزائري إلى 20 ألف دينار جزائري (4 دولارات وحتى 168 دولارا)"، وهي عقوبة غير كافية، بحسب مصادر التحقيق، فيما تخالف شركات السياحة العاملة في مجال بيع مواعيد إيداع ملفات التأشيرة لدى الشركة المكلفة بجمع الملفات نص المادة 4 من القانون رقم 99 - 06 مؤرخ في 4 إبريل/ نيسان سنة 1999، والتي تحدد نشاط الوكالات السياحية في "تنظيم رحلات فردية وجماعية وحجز فنادق، وهنا يقول رئيس نقابة الوكالات السياحية إلياس سنوسي، إن "بيع المواعيد غير قانوني، وهذه الوكالات هي مكاتب أعمال تظهر وتختفي، وعددها لا يتجاوز 50 وكالة تروج خدماتها عبر مواقع إعلانية على الإنترنت، من بين 1500 وكالة سياحية عبر الوطن منخرطة في النقابة لا تبيع المواعيد، وتتقيد بنشاطها القانوني".
دلالات