ضحايا الصراع في أفغانستان... المدنيون وقود الحرب بين القوات الدولية وطالبان

30 سبتمبر 2019
وعود متكررة بتجنيب المدنيين تبعات الصراع في أفغانستان(فرانس برس)
+ الخط -

تعرض الستيني الأفغاني ثواب خان تواب للإصابة في كتفه، كما قتل نجله وابن شقيقه في عملية مشتركة نفذتها قوات أميركية وأفغانية في مديرية كوت بإقليم ننجرهار، شرقي أفغانستان، إذ فوجئت العائلة بتفجير باب المنزل وقت احتفال تواب بخطبة ابنته سارة ليلة الـ14 من يونيو/ حزيران الماضي.

اعتقل الجنود اثنين من أبناء شقيق تواب، وجرى نقلهما إلى قاعدة عسكرية قرب مدينة جلال أباد، وجرى اتهامهما بتقديم المساعدة إلى قيادات من حركة طالبان، لكن تم الإفراج عنهما بعد أيام، ما يثبت وهن الاتهام وعدم جديته، بحسب ما قاله تواب لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن المعلومات التي وصلت إلى تلك القوات عبر متعاون عن تجمع قيادات من طالبان في منزله، كانت خاطئة وكيدية.

وبعد شهر من مقتل نجل تواب وابن شقيقه، قتل 35 مدنيا في إقليم أورزجان، جنوبي أفغانستان، جراء عمليات قصف قامت بها قوات حكومية، في مشهد متكرر خلال الفترة من 14 يوليو/ تموز الماضي وحتى 21 من الشهر ذاته، والذي شهد قتل 25 مدنيا إثر قصف للقوات الأميركية على مسجد في منطقة كمال خيل بإقليم لوجر، وسط أفغانستان، كما قتل عشرة مواطنين في مديرية جغتو بإقليم وردك، وسط أفغانستان، جراء قصف وعمليات ليلية للقوات الأفغانية، ولقي سبعة مواطنين مصرعهم في إقليم بغلان، شمالا، في قصف جوي أميركي، فضلا عن مقتل عشرة مواطنين أثناء مرور حافلتهم في مديرية خاكريز بإقليم قندهار جراء انفجار لغم أرضي كان مزروعا على قارعة الطريق، بينما أسفر هجوم خاطئ عبر طائرة بدون طيار عن مقتل ما لا يقل عن 30 مزارعاً وإصابة 40 آخرين، بعدما استهدف القصف مزارعين وعمالاً كانوا قد انتهوا من جمع ثمار الصنوبر في وزير تانغي بإقليم ننجرهار في 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، وفق ما وثقه معد التحقيق، وهو ما يتطابق مع ما رصده فريق الحماية المدنية والدفاع (منظمة مجتمع مدني تعنى برصد الضحايا من المدنيين ومساعدة ذويهم)، والتي وثقت مقتل وإصابة 600 مدني جراء أعمال العنف خلال الفترة من 20 يونيو وحتى 20 يوليو الماضي، بحسب تأكيد رئيسها عزيز أحمد تسل، لـ"العربي الجديد".



انتهاكات متواصلة

قتل 498 مدنيا وأصيب 787 آخرون بجروح مختلفة خلال الفترة من إبريل/ نيسان وحتى يونيو 2019، بحسب أحمد تسل، مشيرا إلى مقتل 2615 مدنيا وإصابة 4027 آخرين، بينهم نساء وأطفال، في العام 2018.

ولا يتوقف القتل على القصف الخطأ وضحايا العمليات العسكرية، إذ قتل ثمانية مدنيين وأصيب 23 آخرون في عملية انتحارية بالقرب من جامعة كابول في 19 يوليو الماضي، ومنهم الطفل شهاب (5 سنوات)، الذي كان بمعية والدته حليمة القادمة من إقليم تخار، شمال شرقي أفغانستان، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مستدركة بحزن: "جميع أحلامي تلاشت بعد إصابة ابني الوحيد بجروح بالغة"، مضيفة أن ابنها أسعف إلى مستشفى أنديرا غاندي الحكومي لتلقي العلاج.

وتشير إحصائية فريق الحماية المدنية والدفاع، إلى مقتل وإصابة 154 طفلا خلال أشهر، إبريل ومايو ويونيو 2019، بينما بلغ عدد النساء اللواتي قتلن وأصبن في الفترة نفسها 60 امرأة.

 
 

تبادل الاتهامات

يتهم موسى محمودي، العضو السابق في هيئة حقوق الإنسان الحكومية الأفغانية، حركة طالبان بالتسبب في وقوع الضحايا في معظم المعارك التي دارت بين الحركة والقوات الحكومية، والذين بلغ عددهم 596 مدنيا قتلوا بينما أصيب 1892 آخرون خلال الفترة من 21 مارس/ آذار حتى 16 يوليو الماضي، بحسب ما وثقته الهيئة، بينما تتهم بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان العناصر المناهضة للحكومة باستهداف المدنيين عن عمد، وهو ما جرى في مايو الماضي، وفق ما جاء في بيان صادر عنها في 9 يونيو، والذي وثق سقوط 100 ضحية في كابول وحدها بسبب متفجرات تم زرعها في مناطقهم، لكن الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، رفض الاتهام، قائلا في بيان صادر في يونيو 2019، إن الحركة لم تنفذ أي عمل يؤدي إلى قتل المدنيين أو إصابتهم، وفي المقابل رد الناطق باسم وزارة الدفاع روح الله أحمد زاي قائلا لـ"العربي الجديد": "مسلحو طالبان يتمترسون بعموم المواطنين ويشنون هجمات من داخل القرى والأرياف، وتُرغم القوات الأفغانية على الدفاع عن نفسها".

ويرفض الزعيم القبلي في إقليم وردك محمد حسن المبررات الحكومية، مشيرا إلى تصاعد العمليات الليلية والقصف الذي يتم من القوات الحكومية والأميركية، وبالتالي لا صدى لما يقوله المسؤولون الأفغان، وهو ما يؤيده الأكاديمي والباحث في جامعة سلام، شكر الله مخلص، قائلا لـ"العربي الجديد": "إذا كان القصف الجوي العشوائي والعمليات الليلية لا تنفذ وفق إرادة الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي يدعي أنصاره أن يديه ليستا ملطختين بالدماء، فعليه أن يبين ذلك، وإذا ثبت العكس وأن الأمر بالتشاور معه، فهذا يعني أنه ضالع في القضية ويداه ملطختان بدماء الشعب".

لكن نصرت رحيمي، الناطق باسم الداخلية الأفغانية، ينفي وقوع أي نوع من العمليات دون التنسيق مع الحكومة الأفغانية، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الأفغانية والقوات المسلحة تسعيان للحفاظ على حياة المواطنين، وتستخدمان كل السبل التي تحول دون إلحاق أي ضرر بهم"، وهو ما رفضه الزعيم القبلي حسن، قائلا: "لم يتبق أمام ذوي الضحايا سوى الاحتجاج والخروج بجثامين القتلى إلى الشوارع للرد على تلك المزاعم".



من يتحمل المسؤولية؟


تبعات الصراع والعنف في أفغانستان وصلت إلى القطاع الصحي، إذ أكدت اللجنة السويدية التي تعمل في منطقة سيدانو تنكي بمديرية دايمر داد، أن حركة طالبان طلبت منها تعليق العمل في مستشفياتها بعد مقتل أربعة أطباء في إقليم وردك في التاسع من يوليو الماضي نتيجة عملية للقوات الخاصة على مستشفى تابع للجنة، وبعد أيام على مقتل الأطباء الأربعة، تم إغلاق 42 مركزا صحيا من بين 77 مستوصفا تابعا للجنة السويدية، وفق ما جاء في بيان صادر عنها في 21 يوليو الماضي، ما أدى إلى حرمان آلاف الأهالي من الرعاية الصحية. كما تأثر العاملون والأطباء بسبب القرار، لكن الناطق باسم الداخلية الأفغانية يقول إن الحكومة لا تستهدف المستشفيات العامة أبدا وإذا ما حدث ذلك أحيانا، فالسبب أن طالبان تلجأ إليها أو تستخدمها من أجل شن هجمات على القوات المسلحة، وبالتالي تضطر القوات الحكومية للرد.

"واتسم الصراع في أفغانستان بهجمات تستهدف المدنيين من قبل (طالبان) وغيرها من المتمردين، فضلا عن التعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء على أيدي الشرطة وقوات الأمن الأفغانية، وانتهاكات القوات الأجنبية، ولا سيما الجيش ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركيَّين"، وفق ما رصدته منظمة هيومن رايتس ووتش في 23 إبريل الماضي، في تقرير بعنون: "في أفغانستان المحكمة الجنائية الدولية تتخلى عن مسؤوليتها".
 
 
 

ورفضت لجنة من قضاة المحكمة الجنائية الدولية بالإجماع طلب المدعية العامة فاتو بنسودة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 بفتح تحقيق في جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح الوحشي في أفغانستان، وأغلق القرار فعليا الباب في وجوه الضحايا وعائلاتهم الذين لا يملكون سبيلا آخر إلى العدالة، وجاء القرار بعدما شارك القضاة استنتاج المدعية العامة بأنه لم يتم تقديم أي من المسؤولين عن هذه الجرائم، سواء كانوا من طالبان أو القوات الأفغانية أو العناصر الأميركيين، إلى العدالة، وهو قرار حاسم بالنظر إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها أن تكون إلا محكمة الملاذ الأخير. لكن بعد ذلك اتخذ القضاة خطوة غير متوقعة لتقييم ما إذا كان المضي قدما سيكون في "مصلحة العدالة". قرر القضاة أنه لم يكن كذلك، ورفضوا طلب المدعية العامة.



وعود بالتصدي للظاهرة


توجهت الزعامات القبلية صوب كبار المسؤولين، كرئيس الجمهورية ومستشار الأمن القومي، لإيصال أصوات المواطنين الذين فقدوا ذويهمـ بحسب تأكيد الزعيم القبلي حسن لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى لقاء جمع عددا من زعماء القبائل، مع مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب، للشكوى من قتل المدنيين، ووعد محب بالعمل الجاد من أجل القضية في 20 يوليو الماضي، لكن لم يحدث شيء، وفق حسن.
 
 
 

وأعلن مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني، الدكتور حمد الله محب، في الـ16 من يوليو، عن تشكيل لجنة أمنية من المسؤولين في شورى الأمن القومي ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية والاستخبارات من أجل مراقبة أحوال الحرب، وما يتعلق بقتل المدنيين. لكن المحلل الأمني محمد إسماعيل وزيري، الذي يعمل في وزارة الدفاع، يرى أن كل تلك اللجان والهيئات لا جدوى من ورائها، وهي تضيع حقوق الضحايا، وخاصة أن التحقيقات الجنائية في حالات النزاع المستمر صعبة، وأن تعاون الدول الخاضعة لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية كان ضعيفا في كثير من الأحيان، وفق ما تؤكده هيومن رايتس ووتش، بينما يعلق كبير حقمل، الناطق باسم مكتب مستشار الأمن القومي على الأمر، قائلا لـ"العربي الجديد": "نحن بحاجة إلى إعادة النظر إزاء سقوط الضحايا المدنيين، هذه الأمور لا تحتمل الاستمرار على هذه الحال".