أزمة "الإندوكسان"..مصريون يلجأون للسوق السوداء بحثاً عن أدوية الأورام

القاهرة

ليلى خالد

avata
ليلى خالد
27 سبتمبر 2016
+ الخط -
على مدار أربعة أشهر، طرقت الأربعينية المصرية، إحسان عبد ربه، أبواب الصيدليات الحكومية والخاصة وحتى مخازن الدواء، بحثاً عن عقار "إندوكسان" المستورد، والذي يعد أحد أهم العقاقير التي يحتاجها مرضى السرطان، غير أن محاولاتها كانت بلا جدوى، ما اضطرها إلى إجراء جراحة لاستئصال رحمها، بعد انتشار المرض فيه، "في محاولة يائسة للحيلولة دون انتشار الخلايا السرطانية في جسدها"، كما يؤكد طبيبها المعالج الدكتور مصطفى العوضي.

إحسان واحدة من بين 250 ألف مريض ومريضة، يترددون على العيادات الخارجية للمعهد القومي للأورام المصري، طبقاً لأحدث تقرير صادر عن المعهد في عام 2015. ووفقا لما يرويه محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، فإن أزمة اختفاء إندوكسان تتزايد وتيرتها منذ ما يقرب من عام، بسبب تذبذب سعر الجنيه المصري في مقابل الدولار، ما أدى إلى معاناة مرضى الأورام، إذ يدخل الدواء ضمن بروتوكولات العلاج ماعدا أورام الدم (اللوكيميا) المصنفة على أنها مرض مناعي، كما يؤكد مدير المركز المصري للحق في الدواء.


وفاة المرضى

وثقت معدة التحقيق، ثلاث حالات لأطفال تسببت أزمة نقص عقار إندوكسان، في وفاتهم في إبريل/نيسان الماضي، في مركز الأورام التابع لجامعة المنصورة (دلتا مصر)، وبحسب محمود فؤاد، فإن حادثة وفاة الأطفال دينا أحمد والسيد محمد السيد وزينب أحمد، علامة على خطورة غياب الدواء الحيوي ضمن بروتوكولات العلاج الكيماوي، ومرشحة لأن تتكرر في بقية معاهد ومراكز علاج الأورام، في ظل مؤشرات على تزايد الأزمة بدءا من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بسبب إيقاف استيراد إندوكسان، وكذلك المواد الخام منذ يونيو/حزيران الماضي.

ويعد المعهد القومي للأورام في القاهرة، أكبر المشافي المختصة بعلاج مرضى السرطان، وكشفت جولة قامت بها معدة التحقيق، عن نقص عقاقير "إندوكسان 1 غرام، وإسبراكينيز، ويورمتيكزان، وهولوكسان، وأمبوليين"، ووفقاً لما يؤكده عدد من المرضى لـ "العربي الجديد" فإن الأدوية الخمسة تصرف بصعوبة للحالات الحرجة، بينما تم وقفها لمن يحتاجونها لأغراض وقائية بناء على تعليمات شفهية، كما يؤكد أخصائي علاج أورام عرّف نفسه باسم أحمد، رافضاً الكشف عن هويته بسبب قرار الوزارة بعدم جواز تحدث الأطباء مع الإعلام بدون إذن كتابي من الناطق الرسمي لوزارة الصحة خالد مجاهد.

ويؤكد أحمد أن إدارة المعهد شددت منذ مارس/آذار الماضي، على رفض صرف الدواء، للحالات المتعافية من السرطان، على الرغم من احتياجهم الدواء للسيطرة على الخلايا السرطانية، ثم عادت مرة أخرى لتوجيه ذات التعليمات في منتصف مايو/أيار الماضي، بعد اختفاء الدواء، مع التشديد على الاكتفاء بالعلاج الكيماوي للمرضى من دون العقار رغم عدم فعالية العلاج من دون عقار إندوكسان.


البحث عن إندوكسان على "فيسبوك"

تستورد عقار إندوكسان، شركة مملوكة لرئيس غرفة صناعة الدواء، أحمد العزبي، وتورد الشركة الجزء الأكبر من الكمية المتسوردة لمصلحة الشبكة القومية للأورام، والتي تنتشر على مستوى الجمهورية وتضم 40 فرعاً موزّعة على جميع المحافظات، مع ضخ نسبة صغيرة لا تتعدى ألفي عبوة في الصيدليات الخاصة وتصرف عبوات الدواء للمرضى بناءً على وصفة الطبيب بسعر 48 جنيهاً (5.4 دولارات).

ويؤكد صيادلة أن بعض شركات الأدوية تستغل أزمة ارتفاع أسعار الأدوية بسبب تذبذب سعر الدولار؛ بفتح قنوات اتصال مع السوق السوداء لبيع الأدوية بطرق غير مشروعه في مقابل الربح المادي، ويبدي الصيدلي خالد محمود تعجّبه من توافر إندوكسان، في السوق السوداء رغم اختفائه من المستشفيات ومعاهد الأورام.

في محاولة يائسة سعى الشاب المصري، عبدالرازق محمود (سائق) إلى العثور على العقار المختفي عبر الصيدليات الخاصة، إذ يعاني والده المسن من سرطان الكبد منذ ما يقرب من عام. رافقت معدة التحقيق عبدالرازق، في رحلة البحث بين 40 صيدلية في أحياء المهندسين وفيصل بمحافظة الجيزة، ومصر الجديدة والزواية الحمراء بمحافظة القاهرة، تلقى عبدالرازق ردا وحيدا في كل هذه الصيدليات، يفيد بأن "الإندوكسان ناقص من السوق"، ما دفعه للبحث عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذ أخبره أحد الصيادلة عن وجود سوق موازية لأدوية الأورام.



عبر حساب مختلق، توصلت معدة التحقيق، إلى خمس صفحات تقوم ببيع أدوية الأورام المفقودة، باستخدام جملة "ادوية اورام للبيع"، الحساب الأول كان تحت اسم "ابراهيم عثمان ادوية اورام" وبالتواصل معه أبلغ معدة التحقيق بعدم وجود الدواء، أما الحساب الثاني فكان تحت اسم "هبة ادوية اورام" وعرض توفير عبوة "إندوكسان 1 غرام بمبلغ 500 جنيه (75 دولاراً) فيما يبلغ سعرها الأصلي 48 جنيهاً (5.4 دولارات)، فيما عرض الحساب الثالث، وكان باسم "ادوية اورام ورعاية" وتم التواصل معه هاتفياً، سعر 480 جنيهاً للعبوة (54.8 دولاراً)، بينما عرض الحساب الرابع "ادوية اورام مستوردة" سعر 600 جنيه (68.5 دولاراً) للعبوة، مع التأكيد على توفر فاتورة الشركة لإثبات أن الدواء ليس مغشوشاً، وعرض الحساب الخامس "صيدلية الاورام" توفير الدواء ذاته بتركيز 200 ملغ بسعر 200 جنيه (22.8 دولاراً) رغم أن السعر الرسمي له هو 15 جنيهاً (1.7 دولار).

وبحسب مدير مركز الحق في الدواء، فإن اختفاء إندوكسان يفتح الباب أمام ترويج نسخ مقلدة منه، مشدداً على أن الحل الوحيد لتوفيره يتمثل في تأمين الدولار لشركات الأدوية، حتى تستمر في استيراده، بالإضافة إلى العمل على تصنيعه محلياً.

ويتفق أسامه رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء، مع الرأي السابق، رافضاً تحميل الغرفة مسؤولية غياب أدوية الأورام السرطانية، مشيراً إلى أن الأزمة اقتصادية أساساً، لأن نقص الدولار مدمر لصناعة الدواء التي لا يمكن استيراد المواد الخام الداخلة في تركيبها، أو المستوردة التي لا يمكن توفيرها.

وطالب رستم البنك المركزي بتوفير العملة الصعبة لاستيراد الأدوية، مشدداً على ضرورة معاملة شركات الدواء بشكل مختلف عن بقية الجهات التي تعتمد على البنك المركزي لتوفير الدولار، قائلا "الدواء ضرورة حياتية، لا يمكن الاستغناء عنه".


إخفاء الأزمة

منذ يونيو/حزيران الماضي، توقفت النشرة الشهرية للإدارة المركزية للشؤون الصيدلية، المعنية بالإعلان عن الأدوية الناقصة، وبينما تم إضافة إندوكسان وغيره من الأصناف إلى النشرات السابقة التي شملت 213 صنفاً، بعضها تم توفير بدائل له، إلا أن توقف النشرة يشي بمحاولة وزارة الصحة إخفاء الأزمة كما يؤكد المتخصصون.

ويعترف رئيس اللجنة القومية لمكافحة الأورام في وزارة الصحة، خالد حسين، بوجود نقص حاد في بعض الأصناف اللازمة لعلاج السرطان واختفاء لأدوية أخرى مثل إندوكسان وهلوكزان ويوروميتكزان، مؤكداً في تصريحات صحافية، أن عقار إندوكسان يدخل فى كل الجرعات الكيماوية، وغيابه يؤثر سلباً على كفاءة الجرعة بنسبة 40% من فعالية الدواء على الأقل، ما أدى إلى اضطرار مركز الأورام للبحث عن أيّ كمية منه أو إعطاء المرضى للدواء من دونه.

ورفض حسين التعليق على موعد حل الأزمة، طالباً من معدة التحقيق التواصل مع الدكتور محمد لطيف، عميد المعهد القومي للأورام، الذي رفض بدوره التعليق. ولم يختلف الحال مع الدكتور أحمد السعيد ستيت، مدير مركز المنصورة للأورام الذي رفض التعليق على أزمة نقص إندوكسان أو أي عقاقير أخرى، مطالباً بالتواصل مع اللجنة القومية لمكافحة الأورام في وزارة الصحة، برئاسة خالد حسين، على اعتبار مسؤولية اللجنة عن علاج مشكلة نقص أدوية الأورام، ضمن أدوارها المركزية لتوفير الدواء لمراكز علاج الأورام على مستوى كل المحافظات والمراكز المصرية.