بالفيديو.. الفلوجة تتحول إلى مقبرة للنساء والأطفال

الفلوجة

معاذ القيسي

avata
معاذ القيسي
إربيل

أمير العبيدي

avata
أمير العبيدي
12 ديسمبر 2015
1ECF140D-06DD-4739-8925-EF6FA9522A6F
+ الخط -

لم تفلح المحاولات المستمرة لسكان حي المعتصم، الواقع غربي مدينة الفلوجة العراقية، في إقناع عزام ناصر الحلبوسي بالانتقال إلى العيش مع أحد أقربائه أو جيرانه ومغادرة أنقاض منزله الذي أصبح قبراً لأربعة من أبنائه، بعد أن قصفه الجيش العراقي قبل أقل من شهر، وهي الحادثة التي أصيبت فيها زوجته، إصابة بالغة في رأسها ودخلت إثرها في غيبوبة مستمرة ما استدعى نقلها بواسطة إحدى المؤسسات الخيرية إلى مستشفى في مدينة أربيل شمالي العراق، ترقد فيه حتى اليوم.

ويصف خالد العسافي، عضو في جمعية أحفاد الفاروق الخيرية العاملة في الفلوجة، وأحد المطلعين على حالة عائلة الحلبوسي، ما جرى للعائلة، بالمأساة البالغة، إذ لم يتم العثور على جثث الأطفال ضحايا قصف الجيش العراقي، قائلا لـ"العربي الجديد": "أصيبت الأم إصابة بالغة، فيما نجا الأب الذي غادر المنزل قبل لحظات لإحضار الخبز من أجل طعام الإفطار.

بالتنسيق مع مؤسسة إغاثية عالمية، تمكن العسافي من إخراج زوجة الحلبوسي الفاقدة لوعيها، ومر بها عبر نقاط تفتيش تتبع للجيش ومليشيا الحشد قبل أن يصلوا بها إلى مدينة أربيل في كردستان العراق التي ترقد فيها بغرفة للعناية المركزة ولا تعلم حتى الآن بمصير أبنائها القتلى وزوجها الذي يرى العديد من الجيران أنه أصبح فاقداً للإدراك ولم يعد يشعر حتى بالبرد القارس الذي ينام فيه وهو مقيم وسط أنقاض منزله وقبر أطفاله.

اقرأ أيضاً: الفلوجة.. بيوت تحنُ لمهجريها

كيف وصف الإعلام الحكومي مجزرة عائلة الحلبوسي؟


يؤكد خالد العسافي، أن حادثة قصف منزل الحلبوسي وقتل أطفالهم في الفلوجة، قدمتها وسائل الإعلام الحكومي على أنها عملية ناجحة قامت بها القوات الجوية، واستهدفت تجمعاُ لكبار القادة في تنظيم "داعش"، مضيفاً بسخرية ممزوجة بالحزن أن مذيع النشرة الأنيق ختم الخبر بالتأكيد على ان الضربة الجوية تمت بالاستناد إلى معلومة استخبارية في غاية الدقة.

وتخضع الفلوجة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" منذ قرابة عامين، ويرفض التنظيم السماح لمن تبقى من سكانها ويقدر عددهم بنحو آلاف العوائل، الخروج من المدينة، ويتخذهم أشبه ما يكون بدروع بشرية، في حين ترفض الحكومة ووزارة الدفاع دعوات أممية ومحلية، بوقف القصف الجوي على المدينة، بسبب سقوط ضحايا مدنيين من الأهالي.

اقرأ أيضاً: الفلوجة.. لا فرق بين جيش المالكي وجرائم إسرائيل بغزة

أعداد الضحايا من النساء والأطفال

يبين عضو جمعية أحفاد الفاروق الخيرية، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أنه وفقا لحصر أجراه، فإن الأطفال والنساء يشكلون 85% من حصيلة الضحايا الذين سقطوا في مدينة الفلوجة منذ يناير/ كانون الأول 2013 ومعظمهم ذهبوا في عمليات القصف الجوي والمدفعي التي يقول إن الجيش يقوم بها بشكل مكثف عقب فشل كل محاولة للتقدم نحو المدينة".

ويحتفظ المعاون الطبي في مستشفى الفلوجة التعليمي أحمد العاني، بإحصائية مفصلة عن عدد الأطفال والنساء الذين قتلوا في الغارات الجوية والقصف المدفعي على أحياء المدينة، قائلا إن العدد بلغ 483 قتيلا من الرجال و822 قتيلا من الأطفال بينما بلغ عدد النساء القتلى، 311 قتيلة و701 جريحة منذ يناير/كانون الأول 2013 وحتى 7 يناير/كانون الأول 2015، لافتاً إلى أن هذه الأرقام لا تشمل الحالات الحرجة جداً والتي قاموا بإخراجها من المدينة وتوفيت في مستشفيات إقليم كردستان أو خارج العراق.

يدعو المعاون الطبي العاني، معد التحقيق إلى مشاهدة مقاطع مصورة مؤخراً، بواسطة هاتفه الجوال، وفيها تظهر حالة الشقيقتين عائشة وتبارك، الأولى قتلت بشظية كبيرة خرقت منطقة العنق والثانية قطعت ذراعها شظية أصابتها في منطقة قريبة للكتف، في قصف على منزلهما في حي الضباط "شمال شرق الفلوجة"، مبيناً أن هذه الحادثة هي واحدة من عشرات مماثلة تحصل في الفلوجة منذ عامين.

وواصل العاني استعراض مقاطع مصورة وأرقام لضحايا سقطوا في واحدة من أسوأ الهجمات التي استهدفت مستشفى الفلوجة للولادة في منتصف آب/أغسطس الماضي وخلفت 43 قتيلاً جميعهم من النساء والأطفال وبعضهم لم يمض على ولادته سوى دقائق، متهماً الجيش بتنفيذ عمليات انتقامية ضد المدنيين العزل الذين ليسوا طرفاً في أي نزاع.

ويؤكد العاني أن الدوافع الطائفية والسياسية تقف وراء تجاهل الجهات الحكومية لعشرات الخطابات التي وجهها بشأن بذل بعض الجهد في سبيل حماية الطفولة في مدينة الفلوجة ولكنه لا يستطيع استيعاب سر الصمت الأممي بهذا الشأن، مشيراً إلى أن تقرير يونامي "بعثة الامم المتحدة في العراق" الذي صدر مؤخراً بهذا الشأن جاء متواضعاً للغاية ولا يتناسب مع حجم المجزرة، بحسب تعبيره.

وكانت البعثة الاممية في العراق، قد ذكرت بحسب تقرير لها، اطلع عليه "العربي الجديد"، أن ثمانية أطفال "جميعهم دون العاشرة" لقوا حتفهم وأصيب ستة آخرون خلال عملية عسكرية في قرية الحلابسة "قرب مدينة الفلوجة" فضلاً عن 15 حادثة أخرى جرت في الشهرين الماضيين، وأعربت البعثة عن قلقها بشأن سلامة أطفال العراق الذين ما يزالون يعانون من تأثيرات الأعمال العدائية.

اقرأ أيضاً: أمراء "داعش".. 3 مؤهلات لـ"المبايعة"

قيادة عمليات الأنبار: الخسائر الجانبية أمر متوقع

من جهته يرفض الضابط في قيادة عمليات الأنبار علاء الشويلي الحديث عن وجود تعمد أو نية مبيتة لاستهداف المدنيين في الفلوجة، معتبراً أن سقوط ضحايا من النساء والأطفال في المعارك الدائرة على أطراف المدينة، شيء متوقع وخسائر جانبية تحدث في أي مواجهة عسكرية.

الشويلي تحدث هاتفياً لـ"العربي الجديد"، قائلا إن "الغارات الجوية التي يقوم بها الجيش تكون مستندة إلى معلومات استخبارية توفرها لهم مصادرهم وغالباً ما تصيب أهدافها بدقة عالية وهذا الأمر ينطبق على القصف المدفعي الًذي ينفذونه عندما تدعو الحاجة إليه".

ومع أن المقدم ركن علاء الشويلي يؤكد قيامهم بالتحقيق في أي حادثة لاستهداف المدنيين ومتابعتها عن كثب إلا أنه لم يوضح كيفية المتابعة في التحقيق في المدينة التي لم تستطع القوات العراقية دخولها منذ عامين، مكتفيا بالقول إن الجيش لديه مصادر داخل المدينة وهناك تواصل مستمر معهم لمعرفة أي تفاصيل أو معلومات بهذا الشأن.

اقرأ أيضاً: منظرو الجماعات الإسلامية..من حروب البرغوث إلى إدارة التوحش

صعوبة التوثيق

في غرفة للعناية المركزة داخل مستشفى مدينة أربيل شمالي العراق، يقف الدكتور سيامند حاج حمه، مع المحامي والناشط الحقوقي كوفند خوشناو، وعدد من اقارب زوجة عزام ناصر الحلبوسي الفاقدة للوعي والتي لا تعلم شيئاً حتى الآن عن مقتل أطفالها الأربعة في قصف منزلهم الذي بقي زوجها يحرس انقاضة على أمل استخراج جثث أطفاله من تحته.

ويلخص الدكتور المراقب الحالة، بأنها غيبوبة نجمت عن نزيف المخ جراء تعرض الرأس لضربة شديدة، وأن السبيل الوحيد للتعامل مع الضحية هو إبقائها موصولة بأجهزة الإنعاش الصناعي، وهي معلومات أصابت المحامي كوفند خوشناو بخيبة أمل كبيرة لعدم تمكنه من الحصول على رواية الضحية والتي تساعده في عمله التوثيقي لملف استهداف الأطفال جراء العمليات العسكرية.

ويحتفظ المحامي والناشط الحقوقي العراقي كوفند خوشناو، بسجل معزز بالصور مع شهادات صوتية لأباء وأمهات وأطفال يروون الحوادث الشخصية التي تعرضوا لها أو كانوا شهوداً عليها، بسبب الحرب على الفلوجة، لافتاً إلى أنه زود منظمات دولية بجزء من تسجيلاته لمعرفة إمكانية عرضها على محاكم مختصة تعمل على مقاضاة المتسببين بهذه الحوادث وبغض النظر عن المناصب التي يشغلونها أو نوع الحصانه الممنوحة لهم.

الحقوقي خوشناو أوضح لـ"العربي الجديد"، أن عمله لا علاقة له باعتبارات السياسة والأمن أو السياقات العسكرية ويركز على هدف واحد وهو ملاحقة قتلة الأطفال من الذين يوجهون أوامر القصف وشن الغارات، مضيفاً أن البكاء كان رد الفعل الأولي لمجموعة نشطاء في منظمة أوروبية بعد أن عقد جلسة مشتركة معهم، خصصها لعرض نماذج من الحالات التي يقوم بتوثيقها.

ويأمل المحامي الشاب أن تتم ترجمة الدموع التي شاهدها وكلمات التعاطف التي سمعها من نشطاء ينتمون لعدة دول، على شكل تحرك فعلي خلال الفترة المقبلة من أجل وضع قاعدة بيانات بالأسماء والمناصب التي أصدرت ونفذت وأشرفت على عمليات قتل الأطفال تمهيداً لمقاضاتهم وملاحقتهم في المحاكم الدولية، معرباً عن أمله في إنصاف زوجة الحلبوسي الفاقدة للوعي ومعاقبة الذين قتلوا أطفالها ودفنوهم تحت أطنان من الأنقاض التي كانت في يوم من الأيام منزلاً يضج بالحياة.

ذات صلة

الصورة
أبو تقوى السعيدي (إكس)

سياسة

أسفر استهداف طائرة مسيّرة مقراً لفصائل "الحشد الشعبي" يتبع لـ"حركة النجباء"، عن مقتل المسؤول العسكري للحركة مشتاق طالب علي السعيدي المكنى "أبو تقوى".
الصورة

سياسة

أعلن متحدث عسكري عراقي، اليوم الأربعاء، أن القوات العراقية وطيران التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، نفذا خلال الأسبوعين الأخيرين 312 ضربة جوية في سلسلة جبال مخمور (قره جوخ) جنوب شرقيّ نينوى.
الصورة

سياسة

أعلنت السلطات الأمنية العراقية في العاصمة بغداد، اليوم الأربعاء، إحباط محاولة تسلّل إرهابية من قبل مسلّحين يتبعون تنظيم "داعش"، جنوبيّ العاصمة بغداد، مؤكدة مقتل أحدهم.
الصورة
الجيش العارقي/سياسة/احمد الربيعي/فرانس برس

سياسة

أعلن الجيش العراقي، اليوم الثلاثاء، إطلاق عملية عسكرية واسعة تستهدف عناصر تنظيم "داعش"، في محافظتي صلاح الدين وكركوك، بدعم من قبل طيران التحالف الدولي، ومشاركة "الحشد الشعبي".