"في انتظار الهدم، أو رحمة الله" هكذا تقول أم وليد أبو حاشية، وهي تجول بنظرها في منزلها المتواضع في مخيم عسكر الجديد للاجئين الفلسطينيين قرب نابلس شمالي القدس.
منذ أن نفذ ابنها نور عملية طعن الجندي في تل أبيب في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، والعائلة تنتظر قراراً مع وقف التنفيذ بهدم المنزل. في الليلة ذاتها لتنفيذ العملية داهمت قوات الاحتلال منزل العائلة، واعتقلت الأب والأولاد الثلاثة الكبار.
صباح اليوم التالي، كانت الأم وأصغر الأبناء بمساعدة الجيران يقومون بإفراغ المنزل من محتوياته، جزء تم الاحتفاظ به في منزل الأقارب، وأجزاء أخرى في بيوت الجيران. وقبل يومين، حسمت العائلة أمرها، بالعودة إلى البيت وانتظار قرار الهدم تحت سقفه، "لا تحت سقوف الأقارب والجيران" تقول الأم بلوعة متابعة: "استغرق بناء هذا البيت 14 عاماً، بالكاد أكملناه، بعد سنوات طويلة من الكد والشقاء والتوفير، والآن نعيش في رعب من فكرة هدمه".
تتابع الأم لـ"العربي الجديد" لم أستطع أن أغمض عيوني في بيت أحد، عدت إلى بيتي منذ يومين، وعندما يأتي الليل يبدأ فصل جديد من الترقب والقلق والرعب، أي اقتحام من جيش الاحتلال للمخيم، يصيبني بالرعب وأقول لنفسي "ربما جاؤوا لهدم المنزل".
"هذا كل ما لدينا، ليس لدينا أرض أو أموال أو أملاك أخرى في أي مكان، كل ما لدينا هو هذا المنزل "تعب العمر" ونحن نترقب أن يهدمه الاحتلال في أي لحظة".
من لم يعش في المخيمات لا يمكن أن يتصور ما الذي يعنيه هدم البيت، وضياع السقف المتواضع الذي يؤوي عائلة هُجّرت عام 1948 من فلسطين المحتلة، هجر الجيل الأول، لكن الجيل الثاني "الآباء والأمهات" وكذلك الأحفاد، ظلت قصص النكبة والتهجير والبحث عن مأوى هي هاجسهم الأول، إلى أن قدمت لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين خيمة تؤويهم من برد الشتاء وحر الصيف، وبعد سنوات بنت لهم بيوتاً على شكل صناديق إسمنتية صغيرة ازدحمت فيها المخيمات التي ضاقت طرقاتها وتحولت إلى "أزقة" ضيقة.
تتذكر أم وليد أبو حاشية كيف بنت البيت جزءاً جزءاً، وكلما ادخرت بعض المال كان زوجها يبني غرفة أو يضيف جداراً في المنزل، فاللاجئون لا يبنون بيوتهم دفعة واحدة، والآن هي تنتظر أن يتم هدمه، وتهمس بمرارة : "إن هدموا البيت سنقوم باستئجار منزل آخر، فمن الصعب أن نعيش في غرفة عند أقاربنا لفترة طويلة".
لم تتلق عائلة أبو حاشية أي عرض لمساعدتها على استئجار بيت آخر في حال هدم منزلها، لا المستوى الرسمي في السلطة الفلسطينية ولا الفصائل أو الأحزاب، سألت السؤال الذي يشغل بال الأم: "أين ستقضون ليلتكم الأولى بعد هدم بيتكم؟"، فأجابت "نبحث عن منزل للإيجار، ونسأل المحامين والقانونيين عن الإجراءات القانونية التي تسبق هدم البيت".
كأنهم على سفر
هناك شيء ما حول البيوت التي تنتظر الهدم، ناسها وأغراضها في حالة قلق كأنهم على سفر، في زاوية من زوايا البيت تم تجميع الصور الشخصية وآيات القرآن التي تزين البيت، وفي زاوية آخرى تم تجميع "الثريات" والأضواء وقربها تجمعت أكواب وأطباق طعام، ما زالت الأمهات تحتفظ بهن منذ زفافهن، وفي وسط غرفة المعيشة تجمعت أدوات المطبخ قرب الوسائد والأغطية التي تم تجميعها وربطها بعناية استعداداً لإخلاء المنزل.
تقول أم وليد لـ"العربي الجديد" "حتى الآن لم يبلغنا جيش الاحتلال بموعد هدم بيتنا، لقد أخبرني المحامي أنهم سيقومون بإعطائنا إخطاراً قبل 48 ساعة من هدمه". وتهمس بمرارة: "48 ساعة، أيْ يومان، ولأن نهارات الشتاء قصيرة جدّاً والليل طويل يجب أن نتدبر كل شيء بسرعة".
تعويضات من السلطة
يؤكد المحامي الفلسطيني، عصام عابدين، أن رفع قضية أمام المحاكم الفلسطينية للحصول على تعويضات من السلطة الفلسطينية لمن هدم الاحتلال منازلهم، أمرٌ لم يسبق أن حدث، قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يوجد مانع قانوني من ذلك، لكن الإشكالية تكمن في آلية التنفيذ".
وتابع موضحاً، أنه لا يوجد نص قانوني يجبر السلطة على دفع تعويضات، لأن من قام بالفعل هو الاحتلال، خصوصاً، أنه لا يوجد سوابق أو تشريعات قانونية في هذا الشأن، لكن القضية ستكون لافتة للانتباه.
وبين عابدين أن المحامين ربما يتناولون تلك القضية في إطار آخر، من خلال استثمار الاتفاقات الدولية للتعويضات في حالات مشابهة، قائلا: "السلطة بإمكانها تشريع قوانين لصرف تعويضات للمتضررين، أو تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وحول إمكانية إقامة دعاوى قضائية ضد الاحتلال أمام المحاكم الإسرائيلية، أكد عابدين، أن نشاط السلطة الفلسطينية متواضع في هذا الشأن، إذ تنشط فيه مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية.
وبين أن الكثير من القضايا التي تم رفعها أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية، تكون المحكمة منحازة إلى المنظومة الإسرائيلية، لأنها ذراع للجهاز السياسي الإسرائيلي فيما يتعلق بقضايا الفلسطينيين.
الانقسام الفلسطيني
يحمل الباحث في مرصد السياسات الاجتماعية الفلسطينية، فراس جابر، السلطة الفلسطينية مسؤولية التقصير في تعويض عائلات المقاومين وإعادة بناء منازل الشهداء التي تم هدمها من قوات الاحتلال، كاشفاً لـ"العربي الجديد"عن وجود سياسة وطنية لتعويض العائلات المهددة بالهدم تنفذ من خلال وزارة الإسكان والأشغال الفلسطينية في السابق، تم تغييرها لاحقاً.
وبين جابر أن تلك السياسة كانت توفر ما قيمته 70%:90% من قيمة البيت المهدوم. مشيراً إلى أنه حتى بعد تغير هذه السياسة يستطيع أهالي الشهداء رفع قضية على السلطة الفلسطينية أمام المحاكم الفلسطينية للحصول على قرارات تلزم السلطة بتوفير تعويضات لهم لإعادة بناء بيوتهم، خصوصاً مع وجود إجراءات سابقة عوضت السلطة بموجبها الأهالي.
وأشار إلى أنه من المفترض أن تأمر المحكمة تشكيل لجنة بهذا الخصوص، تحت تأثير ضغط مجتمعي، يفرض تعويض تلك الأسر.
وأكد جابر على وجود ضغط من الأوروبيين والأميركيين، لاعتبار أولئك الشهداء منفذي عمليات إرهابية، وبالتالي لا يجوز تعويضهم بأي حال أو التضامن مع عائلاتهم، ما أوجد خجلاً من السلطة في تقديم المساعدات، وإن قدمت يتم الأمر بشكل خفي، وبعد ضغط مجتمعي على السلطة كما حدث مع ذوي الشهيد معتز وشحة والذي استشهد في قرية بيرزيت شمال رام الله في الضفة الغربية المحتلة في 27 فبراير/شباط من العام الجاري.
فيما أشار جابر إلى أن التجاذبات السياسية الداخلية الفلسطينية، قد يكون لها أثر في تقديم التعويضات لأهالي الشهيد، إن كان محسوباً على فصيل ما دون غيره.
تضامن اجتماعي
في حالة الشهيدين، عامر أبو عيشة ومروان القواسمي، المحسوبين على حركة حماس، وما أعقبها من هدم لمنازلهم، فإن أهالي الخليل من قام بتلك المساعدات والتعويضات لذوي الشهداء، كما يؤكد مراقبون.
وكانت قوات الاحتلال اغتالت أبو عيشة والقواسمي في مدينة الخليل في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن طاردتهما قوات بتهمة اختطافهما وقتلهما ثلاثة إسرائيليين قرب الخليل قبل نحو خمسة أشهر.
عائلة الشهيد وشحة أكدت لـ"العربي الجديد"، أنها تلقت من السلطة الوطنية الفلسطينية 25% من إجمالى التعويضات التي وعدوا بها، بعد محاولات وضغوط عدة من أجل دفعها للقيام بالأمر.
يقول رامز وشحة لـ"العربي الجديد" وعدونا بتلقي مساعدات مالية قيمتها 50 ألف دولار، لكنه لم يصلنا منها سوى 20 ألف دولار فقط، علماً أن البنايات السكنية التي تم هدمها من الاحتلال، تبلغ تكلفة إعادة إعمارها نحو 200 ألف دولار.
وأكد أنه في البداية لم تتعاون معنا السلطة الفلسطينية ممثلة في محافظة رام الله والبيرة ووزارة الأشغال والإسكان، وبعد أن تم تهديدهم بعقد مؤتمر صحافي يوضح للجميع ما حدث معنا، بدت الاستجابات منهم إلى حد ما".