نجح الأربعيني العراقي سامان صباح، في الرجوع إلى منزله بمنطقة الأمين الثانية في بغداد، بعد حل أكبر تهديد لحياته، نجم عن نزاع بسيط مع أحد جيرانه بسبب مشاجرة أطفال العائلتين، سرعان ما تحولت إلى هجوم بالأسلحة والعصي استهدف منزله وأدى إلى تدميره، الأمر الذي اضطره إلى الهروب بأفراد عائلته واللجوء إلى بيوت أحد الأقارب.
بعد أسبوعين نصحه صديق في العمل باللجوء إلى حل سريع، يتجاوز روتين تقديم شكوى إلى مركز الشرطة أو رفع دعوى في المحاكم المختصة، عبر طلب وساطة قبيلته، غير أن سامان المنحدر من أصول تنتمي لمحافظة السليمانية في شمال العراق، لم يتواصل منذ قدومه إلى بغداد قبل عشرين عاماً، مع أفراد عشيرته التي لن يكون لها تأثير يذكر في العاصمة العراقية.
حصة الوسيط ربع مبلغ الدية
لم يكن أمام سامان، غير اللجوء إلى وسيط، يتمتع بمنزلة دينية وعلاقات عشائرية واسعه، وعبر صديق التقى الوسيط كريم زامل الأعرجي، في مقهى شعبي بمنطقة باب المعظم، قبل أن تتطور الأمور إلى "ما لا تحمد عقباه"، مع العائلة المعتدية والتي حصل الوسيط منه على أصولها القبلية حتى يتسنى له الاتصال بهم وتهيئة "جلسة حق" أسفرت عن تعويض صباح بمبلغ خمسة ملايين دينار (تعادل 3800 دولار أميركي) وفق مادة "دوسة البيت" التي تعني انتهاك حرمة المنزل وترويع أهله بحسب القانون العشائري العراقي.
يوضح صباح لـ"العربي الجديد" أن ربع مبلغ التعويض الذي حصل عليه، دفعه للوسيط لقاء إحضاره مجموعة من الشخصيات المساندة له في جلسة يطلق عليها تسمية "الفصل"، عقدت في خيمة منصوبة في نفس منطقة الاعتداء، أسفرت عنها قرارات كان أهمها إلزام عشيرة المعتدي بدفع المبلغ المتفق عليه، والسماح بعودة عائلة سامان إلى منزلها والتعهد بعدم التعرض لهم مستقبلاً، وتحديد مبلغ يوازي أربعة أضعاف التعويض الحالي، يتم استيفاؤه منهم في حال تكرر الاعتداء مستقبلا على عائلة سامان.
وسيط: مصاريفنا ضخمة
حصل معد التحقيق من سامان صباح، على مجموعة بطاقات عمل لوسطاء، منهم الشيخ مظهر علوان النعيمي الذي أصر على مقابلة شخصية معه في أحد المطاعم الراقية في ضاحية الحارثية ببغداد، من أجل مناقشة تفاصيل مشكلة عرضها عليه وطلب وساطته لحلها، إذ ادعى أن شقيقه اتهم في قضية قتل وبرأه القضاء منها، ولكن قبيلة المجني عليه تصر على تحميلهم المسؤولية كاملة عنها.
قدم النعيمي عرضه المتضمن توفير فريق من الرجال ذوي الوجاهة العشائرية وأصحاب الخبرة في الوساطة والمساومة، وعدد من المتنفذين في الدولة والذين يحضرون جلسة الحكم العشائري مستقلين أسطولا من السيارات الفارهة تضمن لهم نظرة اجتماعية مميزة واحترام الفريق المقابل.
حدد الوسيط النعيمي أتعاب فريقه بنسبة الثلث من مبلغ التعويض الذي يتم تخفيضه من حجم الدية التي سيتم الاتفاق عليها، وهو ما يعني، والحديث للشيخ النعيمي، أنه "في حال طلبت عشيرة المجني عليه، دية بمبلغ 100 مليون دينار عراقي (77 ألف دولار)، ونجح هو وفريقه بتخفيضها إلى 40 مليون دينار (30 ألف دولار)، فإن عمولتهم ستكون ثلث مبلغ التخفيض البالغ 60 مليون دينار (42 ألف دولار)".
ولا يقبل النعيمي أي مناقشة في تخفيض أجور فريقه التي حددها بـ 20 مليون دينار عراقي (26 ألف دولار)، يحصلون عليها لقاء أتعابهم في المناقشة والمفاصلة وتكريم الخواطر، من قبل الزبون الذي يتحمل مصاريف فريق واسع يتم اختياره بعناية وفقا للقبيلة التي سيجلسون معها وحجم المشكلة التي يناقشونها، إذ إن جرائم القتل والشرف تعد الأصعب في الحل، مؤكدا أنهم يجنبون الزبون حالات الانتقام التي لا تقل أبداً عن القتل المضاد، منهياً حديثه مع معد التحقيق الذي دفع حساب الغداء واتفق مع الوسيط على موعد ثان من أجل مناقشة التفاصيل النهائية وإحضار الأوراق التي تثبت أن شقيقه تمت تبرئته من قبل المحكمة.
اقــرأ أيضاً
العاطلون من العمل أسسوا المهنة
في مقره بحي اليرموك يتحدث العضو المؤسس في مجلس عشائر بغداد الشيخ ظاهر العبودي عن الوسطاء التجاريين، أو سماسرة الديات، باعتبارهم ظاهرة مؤسفة تعود بداياتها إلى تسعينيات القرن الماضي غير أنها استشرت بشكل كبير بعد الاحتلال الأميركي في 2003، وتوسعت في الوقت الحالي على أيدي مجموعة من الشباب العاطلين من العمل والذين قدم أغلبهم من المحافظات إلى بغداد بعد أن اكتسبوا خبرة في أعراف وقوانين حل المشاكل العشائرية من خلال حضورهم المستمر لمثل هذه الجلسات في مناطق سكنهم الأصلية، مشيراً إلى أن هولاء قاموا بتحويل الواجب الإنساني النبيل إلى تجارة يعتاشون منها عبر اصطياد الزبائن الذين يكونون في العادة من ذوي الجذور القبلية الضعيفة أو المنقطعة.
بحسب إفادة الشيخ العبودي لـ"العربي الجديد"، فإن المقاهي الشعبية في مناطق مثل الباب الشرقي وباب المعظم والعلاوي في بغداد هي المفضلة لممارسة هذه التجارة، حيث تعد ملتقى للقادمين من مختلف مناطق العاصمة، مبيناً أن الوسيط يعتمد في تجارته على مظهر جميل وهندام عربي أنيق وفريق من الأشخاص المماثلين له ومنظومة علاقات مع بعض الشخصيات المتنفذه حكومياً وعشائرياً، فضلاً عن الصفة الأساسية وهي إجادتة للكلام وحفظة لبعض آيات القرآن والأحاديث النبوية وعدد من الأمثال والقصص والأبيات الشعرية.
العبودي يشعر بالأسف وهو يتابع استخدام القوانين العشائرية العريقة في مضاربات تجارية تقوم بتحديد أسعار لكل قضية ومنها قضايا القتل العمد والخطأ وانتهاك حرمة الدار "دوس العتبة" وإلحاق الضرر الجسدي "السكاطة" وجرائم الشرف "نهب النساء" وإشهار السلاح "الدكة"، لافتاً إلى أن سعي هؤلاء الوسطاء يكون لإيقاع الغرامة المالية فقط من أجل منافعهم الشخصية برغم من أن الكثير من القوانين تفرض حلولا تأديبية لا تتعلق بالمال مثل عقوبة النفي "الجلوة" عن المنطقة التي وقع فيها الاعتداء أو "دفع الحشم" وهي تعويضات عينية يتم دفعها للمتضرر وتشمل في العادة قطعة سلاح أو سيارة تم استخدامها في الاعتداء.
تراجع هيبة القانون
يؤكد المحامي ياسين محسن الحياني أن ازدهار مهنة الوسطاء العشائريين انعكس سلباً على عمل الأجهزة الأمنية والمحاكم وهيبة القانون، إذ يسحب الكثيرون قضاياهم من المسار القانوني ويحيلونها إلى العرف العشائري من أجل البت فيها، مضيفاً أنه شخصياً استجاب مؤخراً لأربعة من زبائنه وأغلق قضاياهم وتوقف عن الترافع فيها لأنهم قرروا اللجوء إلى المقاضاة القبلية.
المحامي الحياني أشار في حديثة لـ"العربي الجديد" إلى أن الوسطاء ساهموا في تحويل كل مشكلة وسوء فهم بسيط في الحياة اليومية إلى قضية عشائرية قابلة لدفع التعويضات المادية، حتى وصل الأمر بالسماسرة والوسطاء إلى ملاحقة الأطباء نتيجة موت مرضاهم أو المعلمين ممن يضربون تلاميذهم أو حتى مشاجرات الأطفال التي من الممكن أن تتحول إلى نزاع عشائري "كوامة" تستوجب جلوس ممثلين عن الطرفين وتحديد مبلغ مالي للتسوية وإنهاء النزاع.
تحدي سلطة القانون
امتنع أكثر من قاض عن الحديث لمعد التحقيق بخصوص تناقض الحلول العشائرية مع قوانين الدولة العراقية النافذة، فيما وافق قاض في محكمة استئناف الرصافة ببغداد على الحديث في الموضوع مشترطا عدم ذكر اسمه حتى لا يتعرض لتهديد من المستفيدين من الظاهرة.
يوضح القاضي العراقي، أن المشكلة الأساسية في هذا الأمر هي التعامل الهش للدستورالذي تم إقراره عام 2005، إذ اكتفى بعبارة واحدة فقط في الفقرة الثانية من المادة 45 والتي تنص على (منع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان) وهي عبارة لم تترجم إلى قوانين وتشريعات جديدة ومحددة بهذا الخصوص.
ويلفت القاضي إلى وجود مادة قانونية سارية المفعول حتى اليوم وهي القرار رقم 24 لسنة 1997 ويعود إلى مجلس قيادة الثورة السابق والذي تم حلة بعد عام 2003 وينص على (المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات لكل من ادعى بمطالبة عشائرية ضد من قام بفعل تنفيذاً لقانون أو لأمر صادر إليه من جهة أعلى) موضحاً لـ"العربي الجديد" أن العمل بهذا القرار متوقف بشكل تام وغير رسمي بسبب تحرج القضاة منه لكونه محسوبا على النظام السابق.
اتهامات لمتنفذين بتشجيع الظاهرة
من جهته، يتهم أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأنبار علي كرجي الحلبوسي، قادة سياسيين ومتنفذين في الحكومة العراقية بتشجيع المحاكم العشائرية والوسطاء العاملين في هذا المجال من خلال تصريحاتهم المتوددة للعصبيات القبلية أو حتى حضورهم شخصياً لمجالس المحاكمات العشائرية، وهي تصرفات بعيدة تماماً عن الأداء الرسمي المتوازن والمتحضر في إدارة الدولة.
ويضع الحلبوسي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، العديد من قيادات الدولة على قائمة الاتهام ومنهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، صاحب أقوى خطاب في تقوية العصبية القبلية، إذ أعلن في عام 2014 أمام الإعلام بأنه (ولي الدم) على خلفية مقتل صحافي بنيران جندي كردي في بغداد، وهي عبارة "بحسب الحلبوسي" لا يرددها سوى شيوخ القبائل وتدل على المقاضاة العشائرية بمعزل عن سلطة الدولة، التي لم تُجد نفعا في حالة سامان صباح الذي أصبح أكثر حذرا في جميع تعاملاته اليومية خوفا من تحولها لتحكيم عشائري مكلف.
بعد أسبوعين نصحه صديق في العمل باللجوء إلى حل سريع، يتجاوز روتين تقديم شكوى إلى مركز الشرطة أو رفع دعوى في المحاكم المختصة، عبر طلب وساطة قبيلته، غير أن سامان المنحدر من أصول تنتمي لمحافظة السليمانية في شمال العراق، لم يتواصل منذ قدومه إلى بغداد قبل عشرين عاماً، مع أفراد عشيرته التي لن يكون لها تأثير يذكر في العاصمة العراقية.
حصة الوسيط ربع مبلغ الدية
لم يكن أمام سامان، غير اللجوء إلى وسيط، يتمتع بمنزلة دينية وعلاقات عشائرية واسعه، وعبر صديق التقى الوسيط كريم زامل الأعرجي، في مقهى شعبي بمنطقة باب المعظم، قبل أن تتطور الأمور إلى "ما لا تحمد عقباه"، مع العائلة المعتدية والتي حصل الوسيط منه على أصولها القبلية حتى يتسنى له الاتصال بهم وتهيئة "جلسة حق" أسفرت عن تعويض صباح بمبلغ خمسة ملايين دينار (تعادل 3800 دولار أميركي) وفق مادة "دوسة البيت" التي تعني انتهاك حرمة المنزل وترويع أهله بحسب القانون العشائري العراقي.
يوضح صباح لـ"العربي الجديد" أن ربع مبلغ التعويض الذي حصل عليه، دفعه للوسيط لقاء إحضاره مجموعة من الشخصيات المساندة له في جلسة يطلق عليها تسمية "الفصل"، عقدت في خيمة منصوبة في نفس منطقة الاعتداء، أسفرت عنها قرارات كان أهمها إلزام عشيرة المعتدي بدفع المبلغ المتفق عليه، والسماح بعودة عائلة سامان إلى منزلها والتعهد بعدم التعرض لهم مستقبلاً، وتحديد مبلغ يوازي أربعة أضعاف التعويض الحالي، يتم استيفاؤه منهم في حال تكرر الاعتداء مستقبلا على عائلة سامان.
وسيط: مصاريفنا ضخمة
حصل معد التحقيق من سامان صباح، على مجموعة بطاقات عمل لوسطاء، منهم الشيخ مظهر علوان النعيمي الذي أصر على مقابلة شخصية معه في أحد المطاعم الراقية في ضاحية الحارثية ببغداد، من أجل مناقشة تفاصيل مشكلة عرضها عليه وطلب وساطته لحلها، إذ ادعى أن شقيقه اتهم في قضية قتل وبرأه القضاء منها، ولكن قبيلة المجني عليه تصر على تحميلهم المسؤولية كاملة عنها.
قدم النعيمي عرضه المتضمن توفير فريق من الرجال ذوي الوجاهة العشائرية وأصحاب الخبرة في الوساطة والمساومة، وعدد من المتنفذين في الدولة والذين يحضرون جلسة الحكم العشائري مستقلين أسطولا من السيارات الفارهة تضمن لهم نظرة اجتماعية مميزة واحترام الفريق المقابل.
حدد الوسيط النعيمي أتعاب فريقه بنسبة الثلث من مبلغ التعويض الذي يتم تخفيضه من حجم الدية التي سيتم الاتفاق عليها، وهو ما يعني، والحديث للشيخ النعيمي، أنه "في حال طلبت عشيرة المجني عليه، دية بمبلغ 100 مليون دينار عراقي (77 ألف دولار)، ونجح هو وفريقه بتخفيضها إلى 40 مليون دينار (30 ألف دولار)، فإن عمولتهم ستكون ثلث مبلغ التخفيض البالغ 60 مليون دينار (42 ألف دولار)".
ولا يقبل النعيمي أي مناقشة في تخفيض أجور فريقه التي حددها بـ 20 مليون دينار عراقي (26 ألف دولار)، يحصلون عليها لقاء أتعابهم في المناقشة والمفاصلة وتكريم الخواطر، من قبل الزبون الذي يتحمل مصاريف فريق واسع يتم اختياره بعناية وفقا للقبيلة التي سيجلسون معها وحجم المشكلة التي يناقشونها، إذ إن جرائم القتل والشرف تعد الأصعب في الحل، مؤكدا أنهم يجنبون الزبون حالات الانتقام التي لا تقل أبداً عن القتل المضاد، منهياً حديثه مع معد التحقيق الذي دفع حساب الغداء واتفق مع الوسيط على موعد ثان من أجل مناقشة التفاصيل النهائية وإحضار الأوراق التي تثبت أن شقيقه تمت تبرئته من قبل المحكمة.
العاطلون من العمل أسسوا المهنة
في مقره بحي اليرموك يتحدث العضو المؤسس في مجلس عشائر بغداد الشيخ ظاهر العبودي عن الوسطاء التجاريين، أو سماسرة الديات، باعتبارهم ظاهرة مؤسفة تعود بداياتها إلى تسعينيات القرن الماضي غير أنها استشرت بشكل كبير بعد الاحتلال الأميركي في 2003، وتوسعت في الوقت الحالي على أيدي مجموعة من الشباب العاطلين من العمل والذين قدم أغلبهم من المحافظات إلى بغداد بعد أن اكتسبوا خبرة في أعراف وقوانين حل المشاكل العشائرية من خلال حضورهم المستمر لمثل هذه الجلسات في مناطق سكنهم الأصلية، مشيراً إلى أن هولاء قاموا بتحويل الواجب الإنساني النبيل إلى تجارة يعتاشون منها عبر اصطياد الزبائن الذين يكونون في العادة من ذوي الجذور القبلية الضعيفة أو المنقطعة.
العبودي يشعر بالأسف وهو يتابع استخدام القوانين العشائرية العريقة في مضاربات تجارية تقوم بتحديد أسعار لكل قضية ومنها قضايا القتل العمد والخطأ وانتهاك حرمة الدار "دوس العتبة" وإلحاق الضرر الجسدي "السكاطة" وجرائم الشرف "نهب النساء" وإشهار السلاح "الدكة"، لافتاً إلى أن سعي هؤلاء الوسطاء يكون لإيقاع الغرامة المالية فقط من أجل منافعهم الشخصية برغم من أن الكثير من القوانين تفرض حلولا تأديبية لا تتعلق بالمال مثل عقوبة النفي "الجلوة" عن المنطقة التي وقع فيها الاعتداء أو "دفع الحشم" وهي تعويضات عينية يتم دفعها للمتضرر وتشمل في العادة قطعة سلاح أو سيارة تم استخدامها في الاعتداء.
تراجع هيبة القانون
يؤكد المحامي ياسين محسن الحياني أن ازدهار مهنة الوسطاء العشائريين انعكس سلباً على عمل الأجهزة الأمنية والمحاكم وهيبة القانون، إذ يسحب الكثيرون قضاياهم من المسار القانوني ويحيلونها إلى العرف العشائري من أجل البت فيها، مضيفاً أنه شخصياً استجاب مؤخراً لأربعة من زبائنه وأغلق قضاياهم وتوقف عن الترافع فيها لأنهم قرروا اللجوء إلى المقاضاة القبلية.
المحامي الحياني أشار في حديثة لـ"العربي الجديد" إلى أن الوسطاء ساهموا في تحويل كل مشكلة وسوء فهم بسيط في الحياة اليومية إلى قضية عشائرية قابلة لدفع التعويضات المادية، حتى وصل الأمر بالسماسرة والوسطاء إلى ملاحقة الأطباء نتيجة موت مرضاهم أو المعلمين ممن يضربون تلاميذهم أو حتى مشاجرات الأطفال التي من الممكن أن تتحول إلى نزاع عشائري "كوامة" تستوجب جلوس ممثلين عن الطرفين وتحديد مبلغ مالي للتسوية وإنهاء النزاع.
تحدي سلطة القانون
امتنع أكثر من قاض عن الحديث لمعد التحقيق بخصوص تناقض الحلول العشائرية مع قوانين الدولة العراقية النافذة، فيما وافق قاض في محكمة استئناف الرصافة ببغداد على الحديث في الموضوع مشترطا عدم ذكر اسمه حتى لا يتعرض لتهديد من المستفيدين من الظاهرة.
يوضح القاضي العراقي، أن المشكلة الأساسية في هذا الأمر هي التعامل الهش للدستورالذي تم إقراره عام 2005، إذ اكتفى بعبارة واحدة فقط في الفقرة الثانية من المادة 45 والتي تنص على (منع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان) وهي عبارة لم تترجم إلى قوانين وتشريعات جديدة ومحددة بهذا الخصوص.
ويلفت القاضي إلى وجود مادة قانونية سارية المفعول حتى اليوم وهي القرار رقم 24 لسنة 1997 ويعود إلى مجلس قيادة الثورة السابق والذي تم حلة بعد عام 2003 وينص على (المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات لكل من ادعى بمطالبة عشائرية ضد من قام بفعل تنفيذاً لقانون أو لأمر صادر إليه من جهة أعلى) موضحاً لـ"العربي الجديد" أن العمل بهذا القرار متوقف بشكل تام وغير رسمي بسبب تحرج القضاة منه لكونه محسوبا على النظام السابق.
اتهامات لمتنفذين بتشجيع الظاهرة
من جهته، يتهم أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأنبار علي كرجي الحلبوسي، قادة سياسيين ومتنفذين في الحكومة العراقية بتشجيع المحاكم العشائرية والوسطاء العاملين في هذا المجال من خلال تصريحاتهم المتوددة للعصبيات القبلية أو حتى حضورهم شخصياً لمجالس المحاكمات العشائرية، وهي تصرفات بعيدة تماماً عن الأداء الرسمي المتوازن والمتحضر في إدارة الدولة.
ويضع الحلبوسي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، العديد من قيادات الدولة على قائمة الاتهام ومنهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، صاحب أقوى خطاب في تقوية العصبية القبلية، إذ أعلن في عام 2014 أمام الإعلام بأنه (ولي الدم) على خلفية مقتل صحافي بنيران جندي كردي في بغداد، وهي عبارة "بحسب الحلبوسي" لا يرددها سوى شيوخ القبائل وتدل على المقاضاة العشائرية بمعزل عن سلطة الدولة، التي لم تُجد نفعا في حالة سامان صباح الذي أصبح أكثر حذرا في جميع تعاملاته اليومية خوفا من تحولها لتحكيم عشائري مكلف.