القبور تلمع بين الأنقاض

30 نوفمبر 2015
قطة فارسية، لوحة للفنانة الفرنسية إيزي أوكوا
+ الخط -
في الأرضِ الغريبة


ودَّعْنَا الحربَ عندَ أبوابِ المدينة
وأودَعْنَا حقائبَ الخرابِ لدى حَرَسِ اللاشيء
ها ثيابنا مضرَّجةٌ بالفجرِ
ودمعِ الفرحْ
لقدِ اجتزنَا جسورَ الوحشة
وما زالتْ أصدافُ الكلماتِ في جيوبِنَا
الفناراتُ تلوِّحُ لنا من شواطئِ الجراحْ
وفي شرايينِنَا أعيادُ الجبالْ

يا أصدقاءَ الوحْلِ والضوءْ
لنا وحدَنا هذه المدينة
لنا شوارع لا يملأها سوى أثرِ أنفاسِنَا على الثلجْ
أزَحْنَا جدرانَ الزمنِ وَعَبَرْنَا
بادلنا البنادقَ بقمحِ الشرقِ
وذهبَ الصحراءِ بنَدى التيه

كما لو أنَّنا نعودُ إلى بيتِ الحبِّ الأوَّلِ
نسكبُ خمرَ البداياتِ في أسمائنا
ونفتَحُ صدورَنَا للبحر
هنا في الأرضِ الغريبة
لا شيء سوى عراءِ وجودنا
والطواحينْ


                           المسافرُ بينَ الأضرحة


حين نعتاد الحرب سنعزف بالبندقية
ستكونُ جروحُنا فرجةً على حدائقِ العبثْ
وسنقتربُ منكَ أيها المسافرُ بينَ الأضرحة
بينكَ وبينَ الموتِ خطوة
بيننا وبينكَ هفوةُ الآلهة

حينَ نعتادُ على الفناءِ
سنمرُّ بأشجارٍ لم تعدْ موجودةً
لكنَّ قبلاتِها لم تزلْ دافئةً في صداك
منحنياً على غيمةٍ زرقاءَ
تعزفُ أسرارَنَا
ونحن نردُمُ بالأنقاضِ هوَّةَ الخوفِ
ونرفعُ أيدينا

ستزولُ الحربُ
لو قلنا وداعاً للهويَّة
وانتفضنا على الموتْ


                                      المنفيُّ بينكمْ

كانَ المنفيُّ بينكمْ
لا مَعَكُمْ

نزعتُمْ غصونَ قلبهِ لتوقدوا مدافِئكمْ
ولفَفتُمْ زهورَكمْ بخيطٍ من دموعِه

كلُّ ليلٍ
يطمئنّ على ما اختبأ من خفافيشِ نهاركمْ
قبضةُ قطٍّ تعانقُ نظراتِ الشُّهُبْ
مقعدٌ خشبيُّ، جَدُّ الغابة
وقريةٌ خرساءُ تفتحُ صدرَهَا للنجومْ

أنتمْ مدٌّ وجزرٌ من صورٍ
والمنفيُّ حبرٌ سريْ
نيامٌ أنتمْ
فإذا متُّم لن تنتبهوا

                                 كلما جُرِحَ المساءْ

لم أعد أعرفُ إن بقيتْ لنا حكايةٌ في المرايا
أو طفلٌ أخيرْ

لنا حبرٌ أبيضُ في الشرايينِ
نعرفُهُ لأننا نجهله
كلما نزفنا يولدُ صدىً مجهولٌ
في رائحةِ ليلِ آذارَ
بينَ البارودِ والدموعْ

حينَ أكبرُ سوفَ أصيرُ نجمةً
يقولُ ثقبُ الرصاصةِ في الجسَدْ

يكفيْ أن منفياً يناديْ إخوتَه
كلما جُرِحَ المساءُ
لا تفتحوا مسوداتيْ
ولا تسهروا مع الغيمِ
حتى أعودْ

                                        بينَ الأنقاض

أقولُ طفولتيْ
حينَ تداهمنيْ الغربةُ بينَ نهديكْ

أقولُ بلاديْ
كلما حمَلَتْ طفلةٌ دفاترَ الرسمْ

أقولُ الحرية
وأنا أمرُّ بوردةٍ مشنوقةٍ في سياجِ الريحْ

أقولُ الغدْ
حينَ أرى القصيدةَ في ستارِ نافذةٍ مضيئة

أقولُ الأبَدْ
والقبورُ تلمعُ بينَ الأنقاضْ


اقرأ أيضًا : عن سجن بواسي وكارلوس الثعلب

                                    لا يكبُرُ المنفي


بعدَ مئةِ خوفٍ
سوف أكونُ هنا
يا ليلتي
عندما تتمددين على جِلْدِ البحر

يكبرُ المنفى
ولا يكبُرُ المنفيّ
فتأبطينيْ أوراقاً تعوي في الفراغْ
أوراق مسوداتٍ أرسمُ فوقَها لعناتِ مُدُنٍ زائلةٍ
يا هذهِ الليلةَ
بعدَ ألفِ خوفٍ
وخوفْ



                                      كُلُّنَا على حق


هذهِ الليلةُ باردةٌ أكثرَ من جثةِ جنديٍّ
وساخنةٌ كآخرِ لحظةِ وداعٍ
جَمَّدَتْ أسرابَ الدموعِ على قمصانِ العشيقاتْ

هيَ ليلةٌ وستمضيْ
الخنادقُ ملأى بأنفاسٍ حَمَلَتْ دفْءَ الأسرَّةِ
في صباحِ نهدٍ بطعمِ البلادْ

لجاجةُ الحياةِ
وموسيقا القدَرِ تُكَحِّلُ نيراننا
لمَنْ سنترُكُ كُلَّ هذا؟

لَتَكُنْ بنادِقِنَا حَطَباً
ولنثمَلْ
وحدهُ الخمرُ يوحِّدُنا حولَ إلحادِنَا
لدينا غدٌ كاملٌ لنراقصَ الضحيةِ
ونصفِّيَ حساباتِ الآلهة
لنكنْ كُلُّنَا على حقٍ إذاً
هذه الليلةَ فقطْ
المساهمون