"سانت هانس".. منتصف صيف إسكندنافيا

23 يونيو 2018
من احتفالات 2017
+ الخط -

لدى شعب الدانمارك طقوسه الخاصة جداً، والمتناقضة أحياناً. ففي سبعينيات القرن الماضي كانت الحركة النسوية "الجوارب الحمراء" تذهب أبعد من محاربة "التمييز"، في سوق العمل وفي البيت، ورغم ذلك كانت عضواتها تشاركن كل 23 يونيو/حزيران في موسم حرق مجسمات نسوية على هيئة "ساحرات"، كاستعادة لممارسة كانت موجودة منذ قرون.

واليوم يتحلق الكبير والصغير، بما يشبه كرنفالات محلية وقومية، حول نيران توقد باسم "سانت هانس" (يوحنا المعمدان)، وتشارك في كل ذلك حفيدات نساء حرقن قديماً، في عصر تبني المسيحية ونشرها فياسكندنافيا، وهو تقليد اندمج على ما يبدو مع فترة احتفاء الفلاحين بقدوم منتصف الصيف، لطرد "الأرواح الشريرة".

في التقاليد الشعبية القديمة، ساد اعتقاد بأن الساحرات يجمعن أعشابهن ومكوّنات أعمال "السحر" من الأماكن النائية، وعليه فإن النيران ستخيفهن للابتعاد عن إيجاد تلك الأعشاب صيفاً، أو الاختلاط بالناس لسحرهم. وقد كان هذا الاعتقاد مدخلاً لاضطهاد المرأة في اسكندنافيا فقد لوحقت نساء وأحرقن وهن يبحثن عن علاجات طبيعية. في العصور الحديثة، تحوّل طقس "حرق الساحرات" إلى طقس "اجتماعي" احتفالي، تنشد فيه أبيات الشاعر هولغا دراخمان عن الدنمارك "نحن نحب وطننا".

وبالرغم من أن نخباً ثقافية واجتماعية أثارت منذ عقود رفضها "لهذه الطقوس التي لا معنى لها سوى تكريس نظرة احتقار المرأة"، لكن ما يزال الطقس "شبه مقدس"، وخصوصاً في عرض "الساحرة" كامرأة شريرة، وتمرير هذه الصورة في حكايات مروية تستهدف للأطفال.

صحيح أن قصة "الساحرة" تحولت حول العالم لأعمال فنية متعددة، مسرحية وتلفزيونية وسينمائية، وكتب الكثير عنها، إلا أن وصل تلك الحكايات بالواقع، وليس فقط باستذكار "رومانسي" مسائي يثير قلق بعض النخب.

مؤخراً، أثارت الصحافية نانا غول، من جريدة "انفارمشيون"، ارتباط هذه الاحتفالات واستعادتها لحرق الساحرات بحملة#MeToo المناهضة للتحرّش الجنسي. إذا يبدو لها الطقس شبيهاً بممارسة إخراس النساء طيلة عقود أمام الاستغلال الجنسي.

وليست نانا غول استثناء في الدانمارك ممن يتمردون على هذا الطقس الجمعي المحتقر للنساء. وفي هذا السياق كتبت غول: "هناك من ينظر لنساء على خلفية أنهن لا يقمن بدورهن المفروض: كأمهمات وزوجات، ومن تحتج وترفع صوتها مطالبة بالعدل تصنّف في خانة: ساحرات مشعوذات".

الصيف الدنماركي جميل بأرضه المنبسطة، وخضرته الواسعة ووداعة أغلبية ناسه، لكن في كل مساء "سانت هانس"، تقفز آلاف مئات الأسئلة عن "قوة التقاليد والخرافات والأساطير" مقابل كل حديث عن تحضر ومدنية وثقافة وتقدم.

دلالات
المساهمون