سليم مطر.. هجرات تؤرخ للعراق

15 يونيو 2015
تماثيل كنز تل أسمر السومرية في العراق
+ الخط -

يشتغل الكاتب العراقي سليم مطر في كتابه "تاريخ روحي"، الصادر حديثاً عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، على إعادة فهم تاريخ العالم منذ أن كان "كينونة في عدم"، وكانت روح الإنسان في "روح الدُرّة الإلهية".

صرخت إرادة الإله بكلمة التأسيس الأولى: كن، التي انتشرت صدى يرجّ غير المتمايز فيميّزه. يندمج قول الكاتب​ بقول القرآن وقصصه، فلا فصل ولا تمايز بينهما - في الشكل - سوى بصوْغ الآيات القرآنية، بحسب الكتاب.

يعود صاحب "امرأة القارورة" و"اعترافات رجل لا يستحي" في الربع الأول من عمله هذ إلى أسلافه العراقيين، الذين​ تخلّعت حياتهم بفعل الطمع والحمق والخيانة، بدءاً بالملك المغدور غودي وحتى الخليفة العباسي القادر بأسلوب وبناء شعري.

وعن الحاضر، موضوع الفصل الثاني، ينتقل من الشعر إلى السرد ليستحضر معه المكان والزمان، فتكون بغداد 1970، حيزاً يتفتح فيه الجسد وأشواق الرو​ح، وقد بلغ الراوي الرابعة عشرة من عمره، زمن الانشطار الأول بين الممكن والمرغوب الذي سيتوسّع، روحياً، خلال تعلّقه بالبنت الثرية حواء.

ومع معاناة الحضور الطاغي لرجال الأمن الذي سيدفع - بدءاً من أواخر سبعينيات القرن الماضي- إلى هجرات العراقيين هرباً من شبح الموت الذي يتجوّل على أرض العراق نحو حلم أوروبا المغوي، مروراً بالجوع والنوم على بلاط الغرف العاري في دمشق، إلى الموت المقيم في بيروت "وسط حرب أهلية لا ترحم ولا تُميّز بين البشر"

بعد التشرّد في روما، يصل الراوي آدم إلى جنيف، المحطة الأخيرة في هجرته، لكنه لم يدخلها إلا بعد أن أقلق مراقبي حاجز التفتيش عن الأسلحة والمخدّرات، إذ كانت الآلات تهيج وتزعق كلما مرّ عبرها، فيفتشونه مرة تلو الأخرى من دون أن يعثروا على شيء في جسده.

يربك هذا الأمر المُحققين فينشغلون في البحث عن تفسير علمي لهذه الظاهرة العجيبة، خلال ذلك تزوره في غرفة حجزه المرأة في ابتسامتها الرقيقة "وهيئتها الأمومية التي تشع إنسانية ورحمة"، وهي مبعوثة من منظمة إنسانية لرعاية طالبي اللجوء، فتتعاطف معه بعد أن سمعت منه، فترعاه في تلك الليلة.

في الصباح حين مروره عبر حاجز التفتيش من أجل توثيق ظاهرته العجيبة بالصوت والصورة، بقيت الآلات في صمتها، فاندهش الجميع.

إذا كان الكاتب العراقي -المقيم في جنيف منذ العام 1988- قد تمكّن من سلام روحه عبر المرأة التي يُسميها: حواء، بدءاً بأنثى الأساطير حتى آخر واحدة تعرّف إليها، وعبر تأريخ كارثة العراق، فإنه ترك كتابه مشطوراً بين بنيتين؛ شعرية وسردية.

يشار إلى أن لمطر، وإلى جانب أعماله السردية، كتباً في تاريخ العراق من أهمّها "العراق.. سبعة آلاف عام من الحياة"، كما يشرف الكاتب على إصدار مجلة بعنوان "ميزوباتيميا" المختصة بقضايا الهوية العراقية.

المساهمون