التقشّف على أبواب الثقافة

27 اغسطس 2015
أغيلاس إسياخم / الجزائر
+ الخط -
كثيرةٌ هي المهرجانات الثقافية والفنيّة التي تُقام في الجزائر على مدار السنة؛ إذ يبلغ عددها قرابة 170 مهرجاناً مُرسّماً من طرف وزارة الثقافة، تُضاف إليها عشرات الفعاليات والمهرجانات التي تُقام خارج وصاية الوزارة.

لكن يبدو أن سياسة التقشّف التي أعلنت عنها الحكومة نهاية العام الماضي، بعد تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، ستصل أخيراً إلى قطاع الثقافة، رغم تطميناتِ حكومية سابقة بأن الثقافة - التي تحظى بميزانية هي الأكبر عربياً وأفريقياً- ستظلّ بمعزل عن الإجراءات الجديدة، وهو ما يعني أن عدداً كبيراً من تلك المهرجانات بات مُهدّداً بالإلغاء، أو تقليص مدّته.

ومنذ وصوله الى وزارة الثقافة في أيار/ مايو الماضي، بدا عز الدين ميهوبي متحمّساً لفكرة تقليص عدد المهرجانات الثقافية، بحجّة ترشيد النفقات العمومية؛ حيث قال إن عدداً منها صرف أغلفة مالية كبيرة وقدّم نتائج هزيلة، مشيراً إلى أن بعضها سيُنظّم كل سنتين، بدل كلّ سنة.

لم يتأخّر ميهوبي في تحويل كلامه إلى أفعال؛ حيث عمد إلى إلغاء "مهرجان السينما المغاربية" الذي كان أحد الفعاليات السينمائية البارزة في الجزائر العاصمة خلال السنتين الأخيرتين، مفضّلاً إدماجه في "مهرجان عنّابة للفيلم المتوسّطي"، الذي يُنظّم في كانون أوّل/ ديسمبر المقبل.

مؤخّراً، كشف الوزير عن التحضير لقانون جديد لضبط الجوانب التنظيمية للمهرجانات، ومراجعة أعبائها المالية، ضمن ما أسماه "رؤية جديدة تقوم على تعزيز المنفعة الاقتصادية لقطاع الثقافة".

وتحضيراً للقانون، بدأت لجنةٌ وزارية في تقييم المهرجانات المُقامة في مختلف المحافظات، لتحديد تلك التي ستستمر وتلك التي ستُقلّص أو يتمّ إلغاؤها بشكل نهائي.

يؤكّد ميهوبي أن لا علاقة لذلك بإجراءات التقشّف، قائلاً إنه كان سيتخذ تلك القرارات "حتّى وإن كان سعر برميل النفط يبلغ 150 دولاراً"، مضيفاً، في هذا السياق، أن رؤيته تطمح إلى "خلق نمط جديد يعتمد على الاستثمار في الثقافة لتحقيق التنمية، وعدم الاكتفاء بوضعها الاستهلاكي".

يضرب ميهوبي مثالاً بالنموذجين الهندي والنيجيري الذين قال إنهما "تمكّنا من بناء قوّة اقتصادية، انطلاقاً من الفعل الثقافي".

يبدو طموح الوزير مشروعاً، بل لعلّه يمثّل طموح أغلب المنتمين إلى الحقل الثقافي في الجزائر، والذين يأملون في أن تتحوّل الثقافة من سلوك استهلاكي إلى فعل مُنتج.

لكن من المؤكّد أن ذلك لن يتحقّق دون استراتيجية ثقافية شاملة لا تقف عند حدود تقليص أو إلغاء المهرجانات التي تشكّل فضاءً ثقافياً ينتظره الكثيرون خاصّة في المدن الداخلية، بل يجب أن تتعدّاه إلى إعادة النظر في وضع السينما والمسرح والكتاب وغيرها من مجالات الفعل الثقافي.

أيضاً، سيكون من المنطقي، وفق رؤية الوزير ذاتها، إخضاع التظاهرات الثقافية الكبرى كاحتفالية "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" إلى منطق الربح والخسارة، إذ تكلّف تلك التظاهرات ميزانيات ضخمة، لكنّها لا تحقّق عائداتٍ مالية.

أيّاً كان، لا يُمكن إنكار أن إجراءات التقشّف تُلقي بظلالها على القطاع الثقافي، وهو وضع قد يترتّب عنه إلغاء عدد من مشاريع المنشآت الثقافية أو تأجيل بعضها، في الوقت الذي تسير أشغال عدد منها بوتيرة بطيئة، كما هو الحال بالنسبة إلى "دار الأوبرا" و"المركز العربي لعلم الآثار" و"المكتبة العربية الجنوب أميركية" في الجزائر العاصمة.

المساهمون