الموسيقى المستقلة في غابة الذوق

12 ابريل 2015
غرافيتي لـ بانكسي
+ الخط -

هناك إجماع على أن صناعة موسيقى تجارية بمستوى فني جيد ليست صعبة. فثمّة الكثير من التجارب الفنية نجحت فى صناعة هذا المزيج المتوازن، كما هو الحال مع ستينغ ومايكل جاكسون وبيورك وغيرهم.

المشترك في أعمال هؤلاء أنهم لم يتجاهلوا طبيعة المستمع العادي التي تميل إلى البساطة، لذلك كانت النغمة التفاعلية السهلة هي الوصفة الأقرب عالمياً لأغنية ناجحة تجارياً. النغمة التي تدفع المستمع إلى الغناء معها بكلمات لا تتعالى على المستمع؛ قصيرة لا تتجاوز أربع دقائق ولم يُبخل على إنتاجها موسيقياً.

نعرف أن الموسيقى التجارية هي تلك التي تُكتب وتُؤلّف على أسس موجّهة لغرض الربح متوجّهة إلى الشريحة الأكبر من الجمهور، ما يكشف ضمنياً عن قلّة الجودة الفنية والمجهود المبذول فيها. لا يوجد ما يُعيب في أن تكون الفرقة أو الأغنية أو العمل الموسيقي تجارياً، وفي الوقت نفسه ذا جودة عالية.

ولكن على المستوى العربي يبدو أن الوضع السياسي والاقتصادي لغالبية الناس - وهم الجمهور المستهلك للموسيقى التجارية - جعل أسهل الحلول وأكثرها توفيراً لشركات الإنتاج تجاهُل الشروط المتعلقة بالجودة، سواء في الكلمات أو الإنتاج الموسيقي، وكذلك تجاهُل المغنّين لجودة الأداء الصوتي، كنتيجة للمستوى المنخفض للعمل ككل.

للأسف تُحقّق تلك الأعمال الجماهيرية الانتشار، وبالتالي الربح المقصود من إنتاجها منذ البداية، خالقةً الموجة السائدة (Main stream) من الموسيقى، ما جعل مصطلحات مثل "موسيقى تجارية" و"موجة سائدة" و"الأغنية الدارجة" بمثابة صفات تدلّ على تدني المستوى الفني. أما انتشار نوع موسيقي بعينه في فترة معينة وتكوّن جمهور عريض له يمدّه بالربح - كعائد حفلات أو مبيعات - فهما كفيلان بوصفه بالتجاري، كما هو الحال مع موسيقى الـ "بوب" التي كانت رائجة في سبعينيات القرن الماضي، أو كما هو حال موسيقى الـ "روك" و الـ "هاوس" في الوقت الحالي.

أما الموسيقى المستقلة (Indie music)، فقد ظهرت كممارسة لعملٍ إبداعي محرّر من مؤسسات السوق التجارية وفروعها، من خلال جهود ذاتية في التأليف والتسجيل والتوزيع والدعم المادي والدعاية، بسبب رفض أصحابها الانخراط في الموجة السائدة أو عدم قدرتهم على ذلك.

يشمل مصطلح الموسيقى المستقلة أي نوع من الموسيقى التي تُنتج تحت الظروف والشروط الآنفة، والذي أفرز بدوره شركات إنتاج مستقلة (Indie record labels) تكوّنت كمنصات من الفنانين المستقلين، في محاولة لمواجهة سيطرة الشركات التجارية.

تكافح هذه الشركات المستقلة من أجل البقاء، وينتهي أغلبها كفرع من فروع الشركات التجارية التي تطمح في الوجود داخل المشهد الموسيقي المتغير باستمرار، أو تنتهي بإعلان إفلاسها وعدم قدرتها على الإنتاج في ظل تمزق طاقة الفنان بين الإنتاج الفني للعمل وتأمين الدعم المادي والتسويقي له.

المساهمون