عن "سلسلة دراسات معجمية ولسانية" التي أطلقها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" صدر حديثاً كتاب "القاموسية العربية الحديثة: بين تنمية الفُصحى وتحديث القاموس والتأريخ للمعجم" للباحث والأكاديمي المغربي عبد العلي الودغيري.
في العمل يناقش الكاتب كيف أن القواميس العربية الحديثة والمعاصِرة استطاعت متابعةَ تطوُّر الفصحى من بداية عصر النهضة الحديثة إلى اليوم، كما يبيّن تفاعلَها مع المستجدّات من ألفاظٍ ودلالاتٍ وتراكيبَ واستعمالاتٍ، ومساهمتها في خدمة هذه اللغة وتطويرها وتحديثها وتيسير تعلُّمها واستعمالها وانتشارها، ونجاحها في تجاوز المشكلات التقنية والمنهجية في القاموسية القديمة.
يتألف الكتاب من أربعة أبواب. وفي التمهيد، وهو بعنوان "المعجم والقاموس"، يتحدث المؤلف عن المُعجَم في الاستعمال القديم، والمعجم في الاصطلاح الحديث، والقاموس، والمعجمية والوحدة القاموسية، والقاموس وعناصره الأساسية.
في الباب الأول، "تنمية المعجم ومواكبة الفصحى"، يتناول المؤلف تنمية المعجم العربي، وطاقات التوليد الخاصة بالفُصحى، وآليات تحديثها وتجديدها وإثرائها وإغنائها، ويتحدث عن التوليد بالاشتقاق والتوليد غير الاشتقاقي. وتحت التوليد بالاشتقاق، يتناول المؤلف الاشتقاق الصرفي، والإبدال، والقلب، والنحت. أما تحت التوليد غير الاشتقاقي، فيتناول التوليد بالتركيب، والتوليد بالاقتراض.
ولدى الحديث عن "التوليد الدَّلالي"، يبحث المؤلف في المجاز وأهمّيته في تنمية المعجم، متحدثًا عن مسؤولية الأخطاء الناتجة من سوء الفهم لما يُسمَع أو يُنقَل، أو من نقصٍ في اكتساب اللغة اكتسابًا مثاليًا صحيحًا، ولا سيما عند الفرد الذي يستعمل لغةً غيرَ لغته الأم. فهذا الأمر ينتج منه سوءُ استخدام الألفاظ في مواضعها المناسِبة، فضلًا عن استعمالها في معانٍ غير معانيها الحقيقية.
ثم يبيّن المؤلف آلياتٍ توليديةً أخرى ذات طبيعة خاصة، و"ذات يَدٍ" في تنمية المعجم بصفة من الصفات؛ إما لصعوبة إدراجها تحت التوليد اللفظي وحده أو الدلالي وحده، وإما لأنها من المباحث التي تحتاج إلى مناقشة قد تُخرجها كُلّيًا، أو جزئيًا، من باب التوليد. وهذه الحالات هي: حالة الترجمة، وحالة الارتجال، وحالة التضمين، وحالة الضرورة الشعرية، والأخطاء اللغوية وتنمية المعجم، وحالة الإدغام.
خصص المؤلف الباب الثاني، "القاموسية العربية قبل العصر الحديث"، للحديث عن حصيلة الصناعة القاموسية العربية من بدايتها إلى عتَبة العصر الحديث، وعرض أبرز محطّاتها ومراحلها التي قطَعتها في مسيرتها الطويلة، والحدود التي وصلت إليها، مع إعادة توصيفها وتصنيفها، والتوقُّف عند أهم الإشكاليات التي عرفتها، وموقفها المُتشَدِّد من التطوّر اللغوي، والمولَّد والمُحدَث من ألفاظٍ عامة ومصطلحات خاصة.
يتناول المؤلف دوافع الجمع والتدوين، ومعايير الفصاحة المعجمية القديمة، والأعمال الأولى والأسس التي قامت عليها، والقاموسية العربية بعد مرحلة التأسيس، كما يجيب المؤلف في هذا الفصل بإسهاب عن السؤال: هل العربية لغةٌ عقيمٌ؟
في الباب الثالث، "القاموسية العربية الحديثة والمعاصرة"، توسَّع المؤلف في دراسة نماذج مختارة من القواميس الحديثة والمعاصرة، والعامة منها على وجه الخصوص، فتناولها من جوانبها المختلفة شكلًا ومضمونًا، مادةً معجمية، وأدواتٍ تقنيةً.
وفي هذا الباب يتناول المؤلف المادة المعجمية ومَدى مُواكبتها للعصر وتلبية حاجات المُستعمِل، والتقنيات القاموسية ومدى تطويرها وتحديثها، كما يتناول خصائص وسِمات، ومناقشات واحترازات (المادة المعجمية: مصادرها، وطبيعتها، ومعالجتها، إضافة إلى التقنيات المستعملة).
خصَّص المؤلفُ البابَ الرابع، "في القاموسية العربية التاريخية"، للحديث المستفيض عن المشروع الكبير المُدرَج ضمن الآفاق الواسعة للقاموسية العربية، وهو مشروعُ كتابة تاريخ المعجم العربي بكل مَساراته واتجاهاته الممكِنة.