الفنان السوري.. هل أصبح مادة للعرض؟

15 يناير 2017
نذير نبعة / سورية
+ الخط -

منذ أكثر من ثلاث سنوات، لا يمرّ شهر علينا إلا ونسمع بمعرض فني يُقام خارج سورية، هنا أو هناك، لفنانين تشكيليين سوريين. وربما تتواكب هذه المعارض أحياناً مع حفلات موسيقية أو نشاط ثقافي آخر، ويكون معظم من يشارك فيها هم من سوريي المهجر أو "الشتات".

غالباً ما تُنظم هذه المعارض تحت عنوان عريض يستخدمه الجميع تقريباً بلا استثناء وهو تعريف العالم الخارجي بالفن السوري الحديث وإظهار الوجه الحضاري للسوريين. ويُستكمل هذا العنوان بـ "كليشيه" تفسيريّة يرددها الجميع أيضاً، ألا وهي أننا نريد أن يفهم الجميع أننا كشعب نجيد صنع الفن والجمال لا القتل والتدمير فقط كما يبدو لكم. عنوان لا يعني للأسف إلا الاعتراف بأن صورتنا قد باتت قبيحة أو أننا بتنا لا نصدر إلا القبح.

لكن لندع هذه النظرة السلبية للأمور ولنحاول أن نبحث عن ماهية هذه الصورة التي تقدمها هذه التظاهرات الفنية وهل هي بالفعل صورة حضارية كما نرجو لها؟

في الحقيقة، يتبنى الغربيون فنانينا بذات الطريقة التي يتبنون فيها العائلات اللاجئة من مبدأ إنساني أولاً. فتُقام لهم المعارض في الصالات البلدية أو تلك التابعة لمؤسسات ثقافية بغض النظر عن قيمة أعمالهم الفنية. وربما تكون هذه المعارض من ضمن تظاهرة ثقافية تشمل أنواع الفنون الأخرى وتهدف إلى التعريف بهم ومساعدتهم على الدخول إلى المجال الفني الجديد، هم وغيرهم من لاجئي البلدان الأخرى. كما يبادر أبناء الجالية السورية ممن يمتلكون نفوذاً ما، بحكم الإقامة الطويلة في بلدان الاغتراب، إلى المساهمة في تنظيم مثل هذه التظاهرات.

ومن هذه النشاطات ما هو خيري، يرصد جزء من ريع الأعمال المُباعة لصالح الجمعيات الخيرية والإنسانية التي تهتم بأمور اللاجئين السوريين أو المتضررين من الحرب الدائرة. أو ربما تجري مزادات على أعمال تتبرع بها الصالات الفنية أو الفنانين هم أنفسهم لنفس الغرض كالمزاد الذي جرى في مركز المعارض ببيروت سنة 2013 وقد شارك فيه فنانون سوريون وعرب بارزون مثل أسعد عرابي وضياء العزاوي وذهب ريعه حينها لأطفال سورية من اللاجئين.

وقد ساهم الكثير من فنانين وأفراد ومؤسسات في غير هذه النشاطات المذكورة آنفاً وما زالوا متحمسين بدافع اللهفة للمساعدة، في حركة لاهثة لم نتمكن بعد من معرفة جدواها الحقيقي. فالأعمال المعروضة لا تدل جميعها على سوية مشرفة، بل صرنا نجد في زوايا الصالات أعمالاً غثة ومترهلة تُقدم على أنها هي الفن السوري. فهناك فنانون متواضعو الموهبة يُؤثرون على صورة هذا الفن كما يقول الفنان السوري محمد عمران (1979) المقيم في فرنسا منذ سنة 2007 في حديث مع موقع سليت الفرنسي. كما ينوه عمران إلى "أن الفنان السوري أصبح مطلوباً"، وربما يشير هنا إلى طلب "الحالة" لا طلب "المُنتج" الفني. ونتساءل نحن عن تلك الحالة التي قد أصبح فيها الفنان السوري سلعة أو مادة للعرض لا لوحته. كما نتساءل عن حالة التباكي التي ينشدها المنظمون والتي تحدث فعلاً في التعاطف مع الفنان السوري، الهارب أو اللاجئ أو المهاجر القادم من أتون الحرب ليقدم فَنَّه... وأي فنّ. ويبدو أن البعض منّا قد أعجبته الحالة!

ندى كرامي زريق، مديرة غاليري أوروبيا الباريسية، وهي سوريّة الأصل، تشدد في مقابلة هاتفية أجريناها معها على أنها لا تعرض إلا لأصحاب المواهب من السوريين، لتُغني المتلقي أولاً ولتعطي بشكل غير مباشر صورة مغايرة عن أبناء جلدتنا، تلك التي نراها في نشرات الأخبار. وتقول إنها حينما تقدم الفنان السوري (وغيره بالطبع)، تكتفي بذكر اسمه من دون ذكر جنسيته تحاشياً للدعاية "البكائية" غير المرغوب بها. فهي، دائماً بحسب السيدة كرامي زريق، تتعامل مع الأمر باحترافية تليق باسم الفنان ومنزلته.

بالطبع لا نريد أن نمنع أحداً من مساعدة فنانينا في هذه الفترة ولكن علينا أن نكون حذرين مما يُسوّق على أنه فن سوري، كما علينا أن نعي ما يراد لفنانينا من رسم سكّة لهم من قبل مؤسسات لا نعرف أي نوع من الفن تريده منّا. فهي، كالصالات الكبيرة ومؤسسات الفن النافذة، تدعم الفنون التي تتناسب مع مبادئها وأفكارها أو سوقها لا فنّا أصيلاً ينبع من ذات الفنان يستمده من حرية التعبير ويحمل وجدانه ورؤاه. هذا الكلام يمكن أن نقوله أيضاً لباقي السوريين ممن يعملون في الأدب والصحافة أو الفنون البصرية والسينمائية.

في سنة 1999، كنا برفقة فنان سوري كبير نقطع جسر الفنون، أحد الجسور الباريسية على نهر السين لنشاهد أعمالا نحتية عملاقة قد عُرضت هناك لفنان سنغالي يدعى أوسمان (أو ربما عثمان). لم تَرُق الأعمال لفناننا كثيراً ولكن لم يكن هذا ما يثير سخطه بل هو ما قاله لي: "ينهبون خيرات هذه الشعوب ومن ثم يلمعون صورتهم بافتعال نشاطات ثقافية من هذا القبيل".

هل أصبح الفنان السوري "أوسماناً" جديداً، "فُرجة" للعرض في العواصم الغربية لتلميع سياساتها؟ هذا سؤال آخر.

المساهمون