في مراكش.. صباح أخف من الهواء

13 يونيو 2019
خليل الغريب/ المغرب
+ الخط -

يسكنني لازوردُ الفرح في مراكش
يمرحُ في روحي مدى مفتوح
ويعكسُ في المرايا صوراً لأطفالِ خيالي،
أحسبُ نفسي في العالمِ الأبدي في ما بعد نفسي.
الصباحُ أخف من الهواء
والطرقات نباتاتُ غوايةٍ.
تتدلى سحبُ السماءِ
عناقيدَ ماءٍ.
أصابُ بدورانِ الأرض حولَ لغتي
ألتفُّ حولَ نفسي
وتؤلفني وتلفُّ حولي الأشياء.

أنقحُ خطواتي بما طابَ من ألاعيب النهار
الأرضُ صورُ عشقٍ
والحبُ مدرسةٌ
للعلمِ فيها أسرار.

أمشي في دروبٍ يلتهمني ضوؤها
أقدامُ الناس قلوبهم
والحقيقةُ في موزاين الوئام سلام.
مراكشُ جسرٌ بين كلِّ ما أحسُّ من المعاني
وطنٌ من أعشابِ الرؤى والألوان
لا موطئ قدمٍ له ولا لها.
يلبسني معطفُ الأيام وأرتدي وجوه الطرق وأشبهُ الخارجين عن الزمن في المكانِ الحي.
أنثرُ نفسي على أيادي أشجارٍ وزّعها الهواء حسب أبجديات الحبِّ وعواطفِ المنهكين من الانبهار.
مراكش تشبعُ الكون سعة وقناعة
طيّبةٌ القلب، سهلةٌ على الخيالِ والود واللغة
بسيطةٌ في سحرها، سمحةٌ في نظراتها. أوسعُ من مقومات الجسد.
النارُ فيها نورٌ والوجوه فيها أنوار.
والشمسُ معبدٌ
يصلّي به العابرون على خطى قلوبهم.

وإن كان للفقرِ موطئ قدمٍ بهذهِ الأرض
فإنه الكرامة تسيرُ سير الواثقين بأنَّ قلوبهم أمهاتٌ لهم... واليأسُ سيدُ العارفين!

مراكش تحصدني بمناجلِ حبّها وأنا أصعدُ فيها من مقامٍ إلى مقال،
لا أقولُ كل الكلام الذي يلاحقني،
تتفتحُ أطيافُ صدري من التأملِ في فيافي الصمت،
وأمرُّ على قصيد القصيدة بمراكش، رفيقة الحلم في جسد المنام.

أنتفضُ فتنة من التفرّسِ بشمس
بهاؤها لا ينتهي... كأنّ المدينة تصلّي وأستجيبُ لها
كأني أريدُ أن أفنى في ساحة الفناء.
خذي من محاصيل الجسد حنطةً وغناءً،
أنا وحدي. قل هو الحبُّ. صراطي مستقيم.

يمرُّ علىَّ جسدي وأنا أحتسي الشاي في حي ّالسلام
يتفقّدني ويهمسُ:
كنْ نفسكَ في الآخرين. الكلامُ تجارةُ الخاسرين ولا موسم للخسارة عند العشاق.
أردّدُ ما أملت عليَّ خطاي: باسمِ شهواتي سأشتعلُ أكثر وسأشعلُ بالصدى نار ليمون الحنين.
تتحرّرُ الكواكبُ مني وترقصُ الشوارع عند عتبات الدموع.

أتساقطُ في الهيولي من النور المتناثرِ فوقَ أجنحة فضولي...

الدنيا حكمةٌ لن يطبقها أحد.
حيَّ على الصلاة،
نهرٌ يتدفقُ من أضواءِ عيوني
وقلبي رسالتي إلى الأبد...

تنامُ أطيافي حيثُ أجلسُ
أفكاري تزدادُ اخضراراً من بعد قتامةٍ... أنامُ كأني وليدُ غيابي...
تمرُ قططٌ وتحدقُ نوارس ويتلوى الغروبُ بدمي كهديلٍ حمامٍ وحكمة نخيل...

تتفقدُ الطيورُ أصواتها بالغناء أكثر
تلتقي نفسي بأسرابٍ من التأمل،
ينهمرُ الغروب
تحمرُّ الدروب... تضيء الروحُ ويعشعشُ كلامٌ في الصمتِ البهاء
مراكش أكبر
مراكش أكبر.


* شاعر وأكاديمي فلسطيني

المساهمون