لم يتلقّ الفنان المصري إبراهيم الطنبولي (1954) دراسة فنية أكاديمية؛ حيث تخرّج من كلية التجارة واشتغل في تخصّصه قرابة تسعة أعوام، قبل أن يتفرّغ للرسم ويقدّم أعمالاً متعدّدة في ثيماتها، حيث تحضر مدينته الإسكندرية في جزء منها، عبر رصده لتفاصيل عمارتها وثنائية البحر والبر ومناظرها الطبيعية.
يركّز في أعمال أخرى على الحياة اليومية في الأحياء الشعبية، إلى جانب رموز الحضارة المصرية القديمة التي تجاور مفردات تشكيلية معاصرة، كما قدّم تجربة موازية في النحت والخزف والطباعة والتصوير الفوتوغرافي خلال أربعين سنة مضت.
عند السابعة من مساء غدٍ الأربعاء، يُفتَتح في "غاليري جودار" في عمّان، معرض شخصي للطنبولي يتواصل حتى الثامن والعشرين من الشهر الجاري، ويضمّ لوحات تتراوح في أسلوبها بين التعبيرية والتجريد، سواء في تناولها الطبيعة الصامتة أو مشاهد تنتمي إلى المدينة المعاصرة.
في إحدى اللوحات المعروضة، يشكّل اللون الأحمر الكتلة المركزية في تكوينها حيث تنتشر فوقها تجمعات بشرية في حركة دؤوبة، وتجاورها لوحة يظهر فيها المهرج الذي يتكرّر في أكثر من لوحة سابقة للفنان، باعتباره قناعاً يمكن الهروب منه ضمن حالات متعدّدة يجمعها القلق والانتظار والضحك على الواقع، وهو أيضاً يقوم بكلّ ذلك من أجل إسعاد الناس.
يرصد الفنان طقوساً عديدة ومنها اجتماع النساء في الصالة بثياب زاهية يتبادلن الأحاديث والضحكات ويحيط بهن الأخضر في كثير من تفاصيل البيت وأثاثه، وهو ما قد يبدو غير مألوف، لكنه تباين يتقصّده الطنبولي في العديد من لوحاته مع انزياح نحو بعد فانتازي أحياناً، ومنها غابة زرقاء اللون فيها فتاة تطير إلى جانب طائر بينما يقف على الأرض رجل يعزف لفتاة أخرى وخلفهما حصان وفتاة ثالثة تجلس على كرسي تتفرّج على كل ما يدور حولها.
تبدو المشاهد التي يقدّمها الطنبولي مستمّدة من الحياة اليومية ولديها صلات وثيقة بها، ولكنها تعبّر عن الحلم الذي تدلّ عليه مفردة أو حركة لا تتطابق مع السائد والمتداول، يعزّزها اختياره لألوان فاتحة لا تُستَخدم غالباً، وهي تحيل إلى مفهوم البهجة الذي يشير إليه في مقابلات سابقة، والذي يختبر الاحتفاء بالواقع لدرجة تخرجه عن واقعيته.