أرتور بيرسي: قرطاج ونهاياتها المتعدّدة

30 سبتمبر 2015
(من أعمال بيرسي)
+ الخط -

قد يصطدم قارئ التاريخ بأماكن لا تشبه في حقيقتها تلك التي رسمها في ذهنه. مدن كثيرة تقفز في البال؛ بغداد أو دمشق كنماذج، ولا تشذّ عن ذلك روما أو أثينا.

لعل هذا التصادم بين الواقع والمتوقع هو الفكرة التي يخرج بها زائر معرض "نهاية حكم قرطاج" الذي يختتم اليوم في العاصمة التونسية، والذي عُرضت فيه منذ 11 أيلول/ سبتمبر الجاري أعمال المصوّر الفوتوغرافي الفرنسي أرتور بيرسي.

أقام بيرسي منذ 2013 في تونس. في حديثه إلى "العربي الجديد" يوضح بأنه لم يأت بفكرة المعرض جاهزة في رأسه. يقول "بدأت التصوير كيفما اتفق، لم يكن لدي مشروع. وفي لحظة ما، أحسست بأنني مشدود إلى تصوير مدينة قرطاج، ربما بسبب الخلفيات التي تركتها القراءات أو ما قاله لي أناس حدثوني عنها".

يضيف "أعجبتني الألوان والأضواء والطاقة التي تبعثها قرطاج. وفي مرحلة معيّنة، بدأت تتبلور في ذهني فكرة تصويرها ضمن رؤية خاصة".

يحيلنا عنوان المعرض إلى البعد التاريخي للمدينة، لكن بيرسي يشير إلى أنه عنوان يمكن أن يُقرأ من زوايا عديدة، ربما يكون أحدها هو أن قرطاج التاريخية قد اندثرت ضمن موجة المعمار الحديث.

يرى المصوّر أن "قرطاج التي توقّعها، وكما تتحدّث عنها كتب التاريخ، لم يبق منها الكثير. فالآثار البارزة قليلة، وهي سيئة الحفظ والعرض". يضيف "رغم ذلك، فالمدينة تحافظ على بريقها، والمعرض من هذا المنظور يمكن اعتباره قراءة في تحوّلاتها".

يقول "لاحظت أيضاً تداخل التواريخ، لقد مر على المدينة الفينيقيون والرومان والبيرنزطيون والعرب، ولا يعرف الزائر كيف يفرّق بين آثار هذه الحضارة وتلك، هذا أمر محزن لكنه دعاني إلى تصوير هذا التراكب، وحين نقول "نهاية حكم قرطاج" فلا ندري نهاية حكم أيّ من هؤلاء".

وفي قراءة ثالثة للعنوان، يقول "ثمة إشارة إلى المرحلة التي مررت فيها من تونس. قرطاج هي أيضاً المدينة التي تحتوي على القصر الرئاسي، وأنا جئت في خضم مغادرة بن علي الحكم، فقرطاج بهذه القراءة تشهد أيضاً "نهاية حكم". يعتقد بيرسي بأن "العنوان موفق، فقد جاءني بالعديد من الأسئلة، ويبدو أنه جذب الكثيرين لحضور للمعرض".

بعد إنجاز هذا المشروع، ينتقل بيرسي إلى الكوت ديفوار حيث يعتزم الإقامة، ويقول "انطلقت إلى مغامرات جديدة، ثمة أماكن عديدة في الكوت ديفوار تشبه ما حصل في قرطاج".

في صور المعرض، نلمس الكثير من الحميمية تجاه المواضيع التي يشتغل عليها بيرسي، إنه يبدو سليل "الاستشراق الرومانسي" الذي ظهر في القرن التاسع عشر، وأفرز في ما أفرز رائعة "صلامبو" للروائي غوستاف فلوبير عن قرطاج، وقد تكون توقعات الفوتوغرافي عن المدينة قد بناها على تلك الرؤية الرومانسية.


اقرأ أيضاً: سورنتينو: نهاية الإقامة في مدينة غير مرئية

المساهمون