على الرغم من تعدد المهرجانات المعنيّة بـ السينما في مصر، غير أن الإشكاليات نفسها لا تزال قائمة: تخبط تنظيمي، وسيطرة الارتجال، هكذا يصف النقاد المتابعون لمسيرة مهرجانات مصر خلال الأعوام الأخيرة، التي تكاثرت بشكل لافت، إلى الدرجة التي أضحى معها من المألوف، أن نشهد تنظيم مهرجانيين سينمائيين في أسبوع واحد، دون أن تتوفر لأي منهما شروط النجاح المطلوبة. فهل تضاعف أعداد المهرجانات دليل على صحة الحياة السينمائية؟ وهل يشكل تراكماً فعلياً للتجربة، ويساهم في عملية تجويد صناعة السينما في مصر والعالم العربي؟ هذه الأسئلة وغيرها أضحى من الضروري طرحها على المختصين.
يرى الناقد السينمائي المصري محمد عبد الرحمن، في حديثه مع "العربي الجديد" أن تعدد وتكاثر المهرجانات السينمائية ظاهرة صحية في حال ارتبطت بشروط معينة، "لكن للأسف ما يحدث في معظم المهرجانات المقامة أخيراً في مصر، يكشف أن الأمر يتعلق بممارسات تتجاوز تلك الشروط، حيث تجري الأمور وفق فكرة "السبوبة" أو الكسب المادي المباشر"، وهذا أيضاً ليس عيباً في حد ذاته، حسب رأيه، "على أن لا يكون هو الهدف الرئيس".
يضيف عبد الرحمن: "يحدث أن تتقدم جمعية أهلية بطلب لوزارة الثقافة، وإدارة إحدى المحافظات، للحصول على دعم مادي لقاء إقامة مهرجان سينمائي، يقال إن القائمين عليه متطوعون!"، لكن الواقع "أن تلك الميزانيات غير خاضعة لمراقبة دقيقة، ما يدفع بعض الطامعين إلى إقامة فعالية سينمائية ضعيفة جداً، تخصم من سمعة مصر السينمائية، سواء على مستوى النجوم أو الأفلام أو إدارة وتنظيم الفعاليات، بشكل يغلب عليه الارتجال وقلة الخبرة"، فعوض أن تمثل المهرجانات قيمة مضافة لصناعة السينما والنشاط المرتبط بها "تصبح خصماً منها، كما حدث في "مهرجان شرم الشيخ للسينما الأفروآسيوية" الذي ألغيت فعالياته في اليوم الثاني".
يطرح عبد الرحمن سؤال الدعم أمام وزارة الثقافة، التي تتحمل مسؤولية أدبية وأخلاقية في متابعة المهرجانات التي تدعمها، مؤكداً أن ثمة مهرجانات جديدة تدعمها جهات خاصة، بدت أنها أكثر حضوراً وتأثيراً من أي مهرجان تقيمه الدولة أو تدعمه، مدلّلاً على ذلك بـ"مهرجان الجونة السينمائي الدولي"، الذي انعقدت دورته الأولى في الفترة من 22 إلى 29 سبتمبر/أيلول المنصرم. مؤكداً أن "نجاح مهرجانات الخواص في مقابل فشل مهرجانات الدولة، دليل آخر على التسيب وقلة المتابعة والجديّة"، فضلاً عن "إشكالية إيكال الأمور لغير أهلها". (المهرجان الأخير تقيمه عائلة ساويرس في منتجع يملكونه وأثار نقداً لتفاصيل تتعلق بعلاقة المال بالثقافة في مصر).
كثيرون عبّروا عن سخطهم ومقاطعتهم للمهرجانات السينمائية المصرية، لا سيما بعد التجارب الأخيرة التي مرّوا بها، في أكثر من تظاهرة، فما هو طريق الخروج من الأزمة؟ يقترح محمد عبد الرحمن أن تتوقف وزارة الثقافة عن دعم أي جمعية أهلية سواء مادياً أو معنوياً، إلى حين تنظيم دورتين أو ثلاث دورات، تؤكد من خلالها جدّيتها وقدرتها على تنظيم مهرجان يليق بتاريخ السينما المصرية".
من جهته يثمن الناقد العراقي، كاظم السلوم، في حديثة إلى "العربي الجديد" ظاهرة المهرجانات السينمائية التي تتضاعف بشكل مضطرد، ذلك لأنها قد "تمثل فرصة لمتابعي السينما في العالم العربي، لمشاهدة ما انتخب من الأفلام لجمهور نوعي، هذا إذا كان المهرجان يهتم بنوعية وقيمة ما يعرض من أفلام، والاطلاع كذلك على سوق المهرجان الذي يعرض آخر تقنيات الصناعة السينمائية، والتعرف على تجارب الآخرين لا سيما من دول ليس لها باع طويل في الصناعة السينمائية، لكنها تتوفر على أفلام مهمة بين الحين والآخر". ويضيف السلوم: "أما إذا كانت إدارة المهرجان لا تهدف من وراء إقامته، سوى إلى الحصول على "بروباغندا" لهذا البلد أو ذاك، وهذا ما يحصل فعلاً، فبالتأكيد لن يشكل أي قيمة مضافة للمشهد السينمائي العربي".
من جهته يرى الصحافي الجزائري، فيصل شيباني، الذي كان أحد "ضحايا" "مهرجان شرم الشيخ للسينما الأفروآسيوية"، أن الدورة الأولى للمهرجان تعد مثالاً بارزاً للتخبط التنظيمي والارتجال، وأنها تجربة ستجعله يفكر مراراً قبل قبول أي دعوة للمشاركة في مهرجان بمصر. ويؤكد شيباني أن ما حدث في هذه الدورة "مهزلة تسيء لسمعة مصر"، حيث ألغيت فعاليات المهرجان في اليوم الثاني، حين جرى طرد أعضاء لجان التحكيم والصحافيين من الفنادق، لأن إدارة المهرجان لم تسدد تكاليف الإقامة وقاعات العرض.
يضيف شيباني لـ"العربي الجديد": "كان من الواضح أن الأمر لا يتعلق بثغرات تنظيمية، بل بإدارة منهجية للتلاعب بالميزانية المخصّصة للمهرجان، والتي حسب الجهة الرسمية تشترك فيها عدة جهات حكومية ومنظمات دولية وإقليمية، على غرار وزارة الثقافة، وجامعة الدول العربية، والمنظمة الأفروآسيوية، ومراكز ثقافية آسيوية عديدة.