ارتبط الوجود الاستعماري بالجزائر بملف دموي من الجرائم التي استعملت فيها فرنسا شتى الوسائل لتظل على الأرض الجزائرية من 1830 وحتى 1962.
ومع بداية الحرب التحريرية عام 1954 واشتعال الثورة التي أدت إلى الاستقلال عام 1962، رفع الاستعمار من درجة العنف والبطش، ووصل إلى مراحل مروعة من قدرة جيشه على الإجرام في حقوق الثوار.
شنت السلطات الاستعمارية الحرب الجسدية والنفسية على الجزائريين، من خلال إقامة معتقلات ومحتشدات، واستخدمت ضدهم كل أنواع التعذيب النفسي والجسدي، معتمدة في ذلك على خبراء في الإرهاب النفسي كما تقول الوثائق التي كُشفت مع السنوات.
يظل أرشيف الاستعمار الفرنسي في الجزائر مفتوحاً، فثمّة ما لا يحصى ولا يعد من القصص والشهادات والأحداث والأوراق التي لم تُسلّم بعد إلى الجزائر، وكل هذه السجلات لا بد أن يراها الناس ويعرف عنها العالم. إنها حقيقة فرنسا الاستعمارية وفظائعها ليس فقط في الجزائر بل وفي عدد كبير من بلدان أفريقيا التي تصارع إلى اليوم بسبب تلك الحقبة الكولونيالية.
في هذا السياق، ينظم "الأرشيف الوطني" في العاصمة الجزائرية حالياً معرضاً بعنوان "السجون.. الوجه الخفي للاستعمار"، ضمن سلسلة من المعارض التي يعتزم تنظيمها بشكل دوري بهدف إتاحة سجلاته للجمهور وتعميم المعرفة بتاريخ البلاد.
كما يتيح الأرشيف للطلبة والباحثين المتخصصين الاطلاع على الوثائق الأصلية التي يحتويها، بهدف الاستفادة منها أكاديمياً ودراسياً وتوثيقياً.
يضم المعرض لوحات وملصقات تعبر عن السياسات الاستعمارية المتعلقة بوسائل التحقيق والمحاكمات والتعذيب في السجون ومراكز التعذيب التي كان من أشهرها "سجن سركاجي"، و"مزرعة أمزيان"، و"الجباسة"، و"مولان سبورتيش"، و"الكدية الحمراء"، و"مركز موران"، و"بوسيي"، و"تفيشوا" و"سان لو"، و"بول كزال"، و"بني مسوس"، و "سيدي شاهمي"
تكشف المعروضات عن انتهاكات فظيعة في حقوق الإنسان والمواثيق الدولية من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية، كما تقدم معلومات وافية عن التنظيم الإداري الخاص بالمؤسسات العقابية، والتي كانت تتضمن السجون الكبيرة والصغيرة، ومراكز الحجز، وأماكن التعذيب، وأماكن التحقيق وغيرها.
في عمل يتضمن مقالات صحافية لكبار المسؤوليين العسكريين يروون فيها وسائل تعذيبهم وجرائمهم، تأتي لوحة "شهادات سفاكي الدماء" لتضم كتابات لهؤلاء الجلادين قدموها بأنفسهم حول ما قاموا به أثناء سنوات الثورة التحريرية.
من جهة أخرى، تتضمن اللوحة ملصقات فيها محاضر استماع تخص كبار الشهداء والمجاهدين، منها محضر استماع للشهيد العربي بن مهيدي (1923-1957) وهو ممن قُتلوا تحت التعذيب على يد الجنرال بول أوساريس الذي اعترف بقتله لصحيفة "لو موند" الفرنسية عام 2001.
وحول السجون الفرنسية في الجزائر وحدها، أُلّفت مئات الكتب وأُنتجت الأفلام الوثائقية والروائية، وربما يكون من أشهرها فيلم "لم نكن أبطالاً" للمخرج الجزائري نصر الدين قنّيفي، والذي يرصد حياة معتقلين جزائريين في معتقل بوغاري إبّان حرب التحرير، إلى جانب كتاب "المحتشد" للإعلامي الجزائري الراحل عبد الحميد بن زين.