ينبغي أن تكون قويّاً لكي تحب الوحدة

16 يوليو 2016
بازوليني (1922- 1975) في موقع تصوير أحد أفلامه
+ الخط -

ينبغي أن تكون قوياًّ جدّاً لكي تحبّ الوحدة
ينبغي أن تكون لك رجلان جيّدتان وقدرة غير عادية على الاحتمال
ينبغي ألّا تُعرّض نفسك للإصابة بالزكام، والإنفلونزا ووجع الحلق
ينبغي ألّا تخشى القتلة أو اللصوص
إذا كان عليك المشي بعد الظهر بأكمله، أو حتّى المساء بأكمله
ينبغي أن تفعل ذلك بخفّة
لا مجال للجلوس، خاصّة في الشتاء
مع الريح التي تهبّ على العشب المبلول
وعلى الحجارة الكبيرة، الرطبة والوحلية، بين النفايات،
لا عزاء أبداً، لا شكّ في ذلك
باستثناء أن يكون أمامك كلّ النهار وكلّ الليل من دون أية واجبات أو قيود.
الجنس ذريعة. فاللقاءات مهما كان عددها - في الشتاء أيضاً، في
الطرقات المتروكة للريح، في سهول النفايات مقابل المباني البعيدة، كثيرة هي –
ما هي الّا لحظات من الوحدة.
كلّما كان أكثر حرارةً وحيويةً الجسد الرقيق الذي يتمسّح بالمني ويذهب،
كانت الصحراء الشهية حوله أشدّ برداً ومواتاً
هو الذي يملؤك بالبهجة، مثل ريح عجيبة،
وليست الابتسامة البريئة، أو الغرور المضطرب لمن يرحل بعد ذلك
يأتي بشبابٍ فائق الشباب
ولذا فهو لا إنساني لأنه لا يترك أثراً
أو، بشكل أدقّ، يترك أثراً وحيداً
هو نفسه في كلّ الفصول
فتىً في صبواته الأولى
ما هو إلاّ خصوبة العالم
هكذا يطلّ العالم معه، يظهر ويختفي، كشكلٍ متحوّل
تبقى كلّ الاشياء على ما هي عليه، ويمكنك أن تجول نصف مدينة بحثاً عنه، لكنك لن تجده من جديد.
الفعل قد تمّ، تكراره ما هو إلاّ طقس.
لذا فالوحدة أكبر إذا كان هناك حشد كبير ينتظر دوره
إذ يزداد عدد الاختفاءات - الذهاب هروب -
وما سوف يأتي يلقي بثقله على الحاضر كواجب، كقربانٍ للرغبة في الموت
لكن مع الهرم يبدأ الإحساس بالتعب، خاصّة لحظة انتهاء ساعة العشاء، بينما
بالنسبة إليك لم يتغيّر أي شيء
عندها تكاد تبكي أو تصرخ
من شأن ذلك أن يكون أمراً جللاً لو لم يكن تعباً بالفعل، وربما شيئاً من الجوع
هو أمر جلل، لأن ذلك قد يعني أنه ربّما لم يعد بالإمكان تلبية رغبتك في الوحدة
إذن ماذا ينتظرك إذا كان ما لا يُعتبر وحدة هو، في الواقع، الوحدة الحقيقية، تلك التي
لا يمكنك تقبّلها؟
لا غداء أو عشاء أو اكتفاء في العالم يعادل مشياً لا نهائياً في الشوارع الفقيرة
حيث ينبغي أن تكون تعيساً وقوياً، أخاً للكلاب.


* من كتاب "الارتقاء والتنظيم" (Transumanar ed Organizzar) الصادر عام 1971

** ترجمة عن الإيطالية: مصطفى قُصقصي

 

المساهمون