فيلم "نينا": جدل قبل العرض

04 ابريل 2016
لقطة من الفيلم
+ الخط -

أثار الفيلم الروائي "نينا"، للمخرجة وكاتبة السيناريو الأميركية سينثيا مورت، جدلاً وانتقادات حادة قبل أن يبدأ عرضه في دور السينما الأميركية في الـ 22 من شهر نيسان/ أبريل. الاعتراضات تمحورت حول الاستعانة بالمكياج لتغميق بشرة الممثلة زوي سالدانا، التي تؤدي دور نجمة الجاز والناشطة في حقوق السود نينا سيمون، وتكبير حجم أنفها، ليعيد الفيلم إلى الذاكرة نمطاً من الاضطهاد حين كانت الفنون البصرية "البيضاء" من سينما ومسرح، تستعين بممثلين بيض وتصبغ وجوههم وتضخم ملامحهم لتمثيل أدوار السود.

الفيلم سبب الضجة يتناول حياة الأسطورة الموسيقية والعازفة والمغنية الأميركية من أصول أفريقية نينا سيمون (1933-2003)، وهو ليس أول عمل يتطرق لحياتها، فقد تناولت العديد من الأفلام الوثائقية كما الأعمال المسرحية والبحوث والكتب حياة سيمون، التي درست الموسيقى الكلاسيكية منذ سن صغيرة، وكانت تحلم أن تكون مؤلفة وعازفة موسيقى كلاسيكية شهيرة. حالت عنصرية بلادها ضد أمثالها دون أن تتمكن من تثبيت قدميها في ذلك المجال.

وقد أعلنت عائلتها، ابنتها وأخوها وآخرون، اعتراضها على أداء ممثلة بشرتها فاتحة اللون نسبياً للدور، واستخدام المكياج لتبدو بشرتها غامقة. فسالدانا ممثلة من أصول لاتينية/ أفريقية لكن لون بشرتها وملامح وجهها أفتح وأنعم بكثير من ملامح سيمون. وتساءل المنتقدون، لماذا لم يوكل الدور لنساء أكثر موهبة موسيقياً تتشابه ملامحهن مع ملامح سيمون من دون الحاجة إلى الاستعانة بالمكياج من أجل جعل بشرتها غامقة اللون.

هنا يجب النظر لحساسية موضوع أخذ ممثل أبيض أو شخص لون بشرته فاتح وجعله داكنا، في السياق التاريخي لممارسات شبيهة وذات تاريخ في هوليوود وعالم الفن؛ إذ كانت المسارح الأميركية، في القرن التاسع عشر، تستعين غالباً بممثلين بيض البشرة لكي يقوموا بأداء دور شخصية رجل أو امرأة سوداء. فكانت بشرة الممثل الأبيض تُطلى بالمكياج الأسود وترسم الشفاه بطريقة فجة. بحيث تتماشى والآراء المسبقة عن ملامح الأسود وشفاهه الكبيرة وغيرها من التصورات المسبقة والعنصرية. أدى ذلك أيضاً إلى حرمان الممثلين السود من فرص عمل، والتي كانت أصلاً ضئيلة. ناهيك عن عرض تلك الشخصيات بصورة نمطية مسطحة.

استمرت هذه الممارسات، وإن اختلفت في سياقها وطريقتها، إلى ما بعد سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي. كما وجدت صداها في السينما الأميركية، ما أدى إلى إبعاد الممثلين السود خاصة، والأقليات عامة، عن صنع القرار وطريقة تمثيلهم في هوليوود.

في هذا السياق، تشير الباحثة الأميركية مايا ماسك إلى عامل آخر وهو أن شركات الإنتاج في هوليوود وفي ثلاثينيات القرن الماضي، كانت تعمد إلى وضع المكياج الذي يجعل بشرة الممثلات الأميركيات من أصول أفريقية داكنة إذا كن من ذوات البشرة الفاتحة بعض الشيء. وتُعزى هذه الممارسات لأسباب عديدة، من بينها أن المنتجين كانوا يشعرون بقلق من انزعاج أو اعتراض "المشاهد الأبيض" إذا كانت هناك ممثلة بشرتها فاتحة بعض الشيء، حتى لو كانت من أصول أفريقية، في علاقة غرامية مع ممثل أسود أو تبدو قريبة من عالم ومحيط الأميركان من أصول أفريقية في هذا الفيلم أو ذاك.

إن وضع الأمور في سياقها التاريخي يظهر إشكاليتها، لكن كثيرين، بمن فيهم المخرجة، يرفضون أو يفتقدون إلى الحساسية اللازمة لرؤية هذا السياق. وهم يعللون ذلك في الغالب بأن التغيير في شكل شخصية يؤديها ممثل لتصبح أكثر شبها بها هو أمر عادي ويحدث في السينما كل يوم، من هنا تجدر الإشارة إلى أن الكثير من أبناء مجتمعات الأغلبية التي حققت مكاسب من اضطهاد مجتمعات أخرى يحاول "النظر إلى الأمام" وعدم "تضييع الوقت في متاهات الماضي".

المساهمون