تنطلق أستاذة الفلسفة كارول فيدمايير من فكرة أن الشمولية حدث مؤسس في القرن العشرين قاد الفلاسفة والمفكرين بشكل عام إلى مساءلة أسس الفلسفة السياسية، حيث برزت الحاجة إلى التفكير في الأسس الفلسفية التي أدت إلى ظهور النازية مثلاً، والتي تمثل أفضل تعريف للنظام الشمولي، وللدولة التي تسببت في شرور ذات جذور سياسية، تقوم على استخدام الرعب وقسر شكل من الأيديولوجيا على الشعوب.
هذه الأشكال من الشر لم تكن قابلة للاختزال في فئات النظريات والفلسفات السياسية التقليدية، حيث برزت عدة أزمات على صعيد الأزمة مع العقلانية، وأزمة العيش مع الآخر، ما استدعى التشكيك في المشروع الحديث الذي قام عليه القرن العشرون بعد عصر التنوير.
في هذا السياق، تدرس الباحثة قراءتين فلسفيتين أساسيتين لأزمات القرن العشرين؛ في كتابها الذي تعنونه على شكل سؤال "هل هي نهاية الفلسفة السياسية؟"، حيث تتناول فلسفتي حنا آرنت (1906 - 1975) مقابل ليو شتراوس (1899-1973)، كما يشير العنوان الفرعي للكتاب.
العمل صدرت ترجمته مؤخراً في طبعة مشتركة بين "ضفاف" و"الاختلاف"، وقد نقله إلى العربية المترجم توفيق سخان، الذي يلفت في المقدمة إلى أن التمظهر الأكثر وضوحاً للأفكار السياسية للفيلسوفين يكمن في تشخيصهما المشترك للأزمة.
يرى ليو شتراوس أن أزمة الحداثة في حقيقتها هي أزمة في الفلسفة السياسية، هو الذي يقول: "أعتقد أنه ليس من المبالغة القول إن الفلسفة السياسية وحتى الفلسفة بشكل عام فقدت اليوم كرامتها ومكانتها"، وكان يقصد بذلك أن كرامة الفلسفة تكمن في تفوّقها الطبيعي على الواقع السياسي. رأى شتراوس أن صدمة النازية شكلت أزمة في العقل السياسي للحداثة وأجرى مقارنات مع العقل السياسي ما قبل الحداثي.
في حين تظهر آرنت ضرورة التخلي عن هذه الفكرة والتوقف عن الدفاع عن نمط متقاعد من الفلسفة وهو البحث عن الحقيقة، من أجل مواجهة شرور الحداثة. وترى أن ما يهم فعلاً هو النظر للواقعة نفسها، فتقول إن عجزنا أمام الحدث التوتاليتاري يظهر الحاجة الملحة إلى المجتمع الإنساني وهو أمر تميل فلسفة البحث عن الحقيقة إلى إعاقته. كانت آرنت تعتبر أن ماركس ونيتشه بالنسبة إلى فلاسفة جيلها، مرشدين لماض فقد سلطته، وأنهما كانا أول من يجرؤ على التفكير دون رعاية من أي سلطة على الإطلاق؛ معتبرة أن جيلها يتمتع بحرية أكبر.
يأتي كتاب فيدمايير في ثلاثة فصول؛ الأول بعنوان "نظرات متقاطعة على الأزمة" فيتضمن نقداً للتاريخانية والوضعية عند شتراوس، والتوتاليتارية عند آرنت. أما الفصل الثاني فيتناول "الحداثة والتقاليد" وفيه تتطرق الباحثة إلى العدمية الحديثة والبحث عن الحقيقة وتبرير الفلسفة عند شتراوس، والتقاليد والانتقام منها وتعطل المفاهيم عند آرنت. الفصل الأخير يتطرق إلى "التفكير في السياسي" وفيه مناقشة التفكير بوصفه قدرة، والطبيعة والفلسفة، والشرط والفينومينولوجيا.