أيتها الأرض، كم أنّك مسرحيّة!

17 اغسطس 2018
أسامة عمار/ تونس
+ الخط -

لكل امرأة قديمة
منورٌ يضيء في القيامة،
لكل طفلٍ
شعبٌ من الأشباح النبيلة
لكل حشرة
بيتٌ ونغمة
غير أن الغيمة الحسودة
أغلقت نافذة الحلمِ
على جمهورٍ من الأشلاء.

■ ■ ■

أحيانا أهبطُ
أهبطُ
أنخر الأرض وأهبطُ
لا يستوقفني ضجيج
لا يوقفني حرسٌ
ولكنني لا أصلُ
أتذكّر القمر المهمل في القصيدة،
والقصيدة المنسيّة على الكانون
والحزن المخشَّب من كثرة الوقتِ والصّمتِ
والنقصان..
لكنني فعلا، لا أصلُ.

■ ■ ■

وأحيانا أصعدُ
ثمّ أصعدُ
أصطدم بغيمة أو صلاة،
بنيزك مغمض العينينِ
أصطدمُ بذاكراتِ الأمواتِ
وعندما أسقط
ينتشلني ظلّي ونواصل...
وهكذا
أتلمّس ضحكا ضحلاً،
أقيس العمر بالحزن فأعرف
أنني لن أعيش طويلاً
لستُ الأسوأ حظاً
لكن رأسي الصغير يشتعلُ
وقلبي الصغير لا يمهلني
لأصطاد ذريعة أو حجة للغيابِ
أمشي، أمشي.. ولا أصلُ.

■ ■ ■

قديمًا، كنتُ شاطئ بحر
كان الزبد سعيدًا بي
وكنت سعيدة بالصخور الهامية
لكنني الآن... من أنا الآن؟
فزّاعة الحقلِ الهامدة تعرف عن الطّقس
أكثر ممّا أعرف عن نفسي
من أنا؟
سؤال سخيف... ومع ذلك، لا أصلُ.

■ ■ ■

ستنخرط سفرجلة في بكاءٍ طويل
ستبدأ جبهتي بالتعرّق
وعروقي بالتوجّسِ
ويطفو دمي على صورتي في الإطار
وينفجر الإطار... وتأتي الشرطة
وتكذب الصّحف
وتدّعي شخصية مجنونة أنها تفتّش عنّي
تحت أجنحة الطيور
في عواء الطواحين
على المطلّ الكئيب
في أرشيف من عرفوني
في "اللهب المقدّس"
وأكون.. خلف المدارِ ألاحق شيئًا
وأركض، ألهث.. لا أصل!

■ ■ ■

كانتِ الكائنات تدهشني،
شيءٌ ملغوز فيها يجذبني
ألاعب كلاب الغرباءِ
أبدو لطيفة في المرآة
في القديم القديم من الزمانِ
كان المكان فرصة والدموع تجربة
والألم الطازج مجازا -في نظري-
وكنت كالطفل في جنازة الوالدة،
يغادرون، فأرسم زهرة على الشاهدة
وألعب بالتّراب!

■ ■ ■

جثوت على ركبتين من دخان،
في العالمِ القاحل وصلّيت
للرّب الذي كنّستهُ المرثيات
للمائدة العذبة
للسكاكر في خاطري
والسنجاب الورديّ
في غابتي!

■ ■ ■

كانت الأحاسيس طريّة
صلّيتُ بالأبجديّة
احترقتْ أصابعي
نسيتُ الأمر إذن
وتحوّلت إلى مزهرّية
في بيت نفسي
أنتظر ذرّات الغبار
أو يدا بالخطأ تكسرني!

■ ■ ■

مطرٌ خرافيّ يجوس القلب الآن،
ثلج بدائيّ في قاع الرّوح الآن،
جليد خالدٌ في رحمي،
ضاع البكاء والزوارق
هاجر البحر
نفق الغراب

■ ■ ■

منذ قديم الزمان وأنا أمدح المنفى على أنّه الوطنُ،
وأمدح الموتَ على أنّه الصباحاتُ الفتيّة....
سقطت أحلامي عليَّ!
يا للهولِ... خادعٌ صوت النّاياتِ خادع
وأنا لا أصلح للغنــــاء
لا أصلح مزهريّة
فلي جناحان..
وأحبّ الرّيح
والوطن الذي نسي بأنه وطني
يا للهول.. مازال يعجبني!
أيتها الأرض، كم أنّك مسرحيّة!

■ ■ ■

لعلّ النهر عيّنة من أرض بعيدة
كالتي في خيال الأطفالِ
أرض بعيدة وجميلة.. طيّبة
لعلّ الأهوال مزحة
والحياة في الخارج أجمل،
أغمضت حواسي وفتحتُ
بوّابةً في الكلام...
وفهمت من الكلام أن الحياة
تحصيل حاصل للكلام
وأن الزّحام هو مجموعة من الخطى المعزولةِ،
وأن الصورة معكوسة ومن يتشقلب يدوخ!
ثم عرفت أنني دخلتُ عالم الشّمس بقدميّ
تأخّر رأسي،، جئت حالمة
لعلّ النّهر أغنية جاءت كما شاءت
وبقيّة العالمِ خطأ في الطّبــــاعة...
أفريقيا تجهش في داخلي،
إنني أتآكل!


* شاعرة من الجزائر

المساهمون