فندق "ذيلتا" وقصائد أُخرى

01 ديسمبر 2018
(بامبوس كوزاليس، أثناء زيارة إلى المغرب)
+ الخط -

"بابا نويل" في تموز

تتأرجح الكراسي
ونحن نُهَدهِد التوأمينِ
إنه عيد ميلادهما اليوم
لقد أكملا عامهما الأول
بينما يوشك تموز على الانتهاء
نعم، إنه ذلك التموزُ
حيث عزمت "ذورا"
أن لا تعود مرةً أخرى للمشفى
رحلت دون أن يُدفع لها أجرها
قلبها لم يحتمل رؤية
أحذية فُرادى تحت أسرّة ذوي الثمانية عشر ربيعاً
توقفتْ عند دكانٍ صغيرٍ
تشتري كهدية دُميتين منسيتينِ
لـ "بابا نويل"
نعم، في ذلك التموز.
ابتهج التوأمان كثيراً
وضحكا مع ذاك اللون الأرجواني وهو يتداخل مع أشعة الشمسِ
اليوم، لم يعودا يتذكراه
لا بأس!


■ ■ ■


فندق "ذيلتا"

رنّ جرس الهاتف، فأجبت قائلاً "ذيلتا"
بينما باقي الأحرف الثلاثة والعشرين
تجلس بالفعل على طاولة الاحتفالات
المستطيلة الطويلة
بينهن مسافة للأمان
حتى لا تتلاقى الكؤوس.

بعد نصف ساعة سينتهي العام،
العام الجديد ينتظر خارج الباب
يتدرّب على كلمة الافتتاح
وأنا أُكرّر الحرف "ذيلتا"
على الجانب الأخر من الهاتف تهنئة بالعام الجديد
نزيل يطلب مفتاح الغرفة رقم 103
ونزيل آخر يطلب مفتاح الغرفة 101.

قبل منتصف الليل بعشر دقائق يحجز أحدهم غرفةً فردية
- بطاقة الهوية من فضلك
- أنا ألبانيٌّ
أعمل في الحفر مع عمّال قبارصة
عندما توقفني الشرطة
أتحدث بالقبرصية فيتركونني أرحل.
- "ذيلتا"، تفضل! لا، ليس موجوداً
- سأبلغه أن العام الجديد سيبدأ خلال لحظات
الساعة على مكتب الاستقبال
تُشير إلى الثانية عشرة إلّا دقيقتين
صببتُ نبيذاً أحمر في كأسين من البلاستيك
ووضعت جُبناً وبعض الخبز
في صحّتك!
كيف نقول "عام سعيد" بالألبانية؟

("ذيلتا" هو الحرف الرابع من الأبجدية اليونانية، المترجم)


■ ■ ■


الجمرك

-ماذا لديكم لتعرضوه؟
- قليل من الملح
يُحيي الجروح
وشمندورة
كي تعثر الذكريات
على مرساها
وفاتح خطاباتٍ
يشق طريقاً
لأيامٍ لم تُكتب بعد
ومقص
لافتتاح
الحدود الجديدة.

■ ■ ■


نصف "شلن"

لم يُغمض للعين جفنٌ طوال الليل
نهضتُ من مرقدي بلا أحلامٍ
ونصف "شلن" يتقلب بين أصابعي
انتظر حتّى يحين وقت الظهيرة
حتّى يشق "بيتروس" الطريق الترابيّ
أن يأتي أبناء عمومتي
كي نذهب إلى سينما "سازيذي"
حيث يُعرض فيلمان، بينهما ثلاث استراحاتٍ
رعاة بقرٍ ولصوصٍ
أحلام عابرة، إطلاق رصاصٍ
حتى الخامسة عصراً
بعدها تتعالى الأصوات، أسرعوا قبل أن تموت "آلي ماكغرو"
بنصف شلن "قصة حبٍ"
في سينما "أنجيل"
ذات السقف المتحرّك
للمتسللين إلى سحب السماء الصيفية
نركض عسى أن نعثر
على مقاعد في الصفّ الأول
حتى يستطيع "ريان" أن يرانا بوضوح
كيف نبكي حقاً
وكيف أننا كنا نبكي حقيقةً
عندما وجب علينا الرحيل
بعيداً عن دور السينما
بعدما حجبوا عنّا تلك السماء المتحرّكة
ومنذ ذلك الحين نسير على أعقابنا
برأسٍ يتطلّع إلى الوراء
إلى تلك الشاشة السوداء
حتّى السادسة من كل فجرٍ
حين يتكشف النهار مجدداً
لكن بدون أحلام.


■ ■ ■


ثقوب

رأيت عظام معاصمٍ مقيّدة ببعضها خلف الظهورِ
فسألت نفسي كيف استطعتِ أن تتحملي كل هذه السنوات
بدون رقصة المتعانقين
أمّا الآخرون فقد رأوا ثقوباً تركتها طلقاتٌ في الرأسِ
فتساءلوا كم من السنوات انتظرتَ
كي يكلّلوك بتاجٍ الذهب
كتماثيل العهود القديمة
على فراش بلا تاريخٍ.


■ ■ ■


كيف؟

حقاً، كيف أشرح لك
لماذا كنّا نُقبّل الخبز
الذي وقع على الأرض؟
حقاً، كيف أشرح لك
لماذا كنّا نجمع أجمل الوورود
كي نضعها على الضريح؟
حقاً، كيف أشرح لك
لماذا كنّا نرشّ الماء خلف من يسافر؟
حقاً، كيف أشرح لك
لماذا قد رتبنا أسِرَّتنا
قبل أن نهرب مطاردين من المظلّيين
الذين هبطوا في فناء منزلنا.


■ ■ ■ 


نار

هذه الأحجار أضعف من أن تُشعل ناراً
فلأحكّ يدي بشعاع الشمس
ولأشتعل إذن
كي تشعري بالدفء.


■ ■ ■ 


منطق

على ناصية المنطق
مُشيدةٌ بدقةٍ بالغةٍ
أحجاره المستطيلة تلك
أشرع في الصعود
لكن من أين أبدأ؟
أتعلّق برباط حذائك المُحلولة عقده
كإحدى راقصات الباليه لـ "ديغا" انحنيت كي تعقديه
مخبئةً جناح فراشة شفّاف
تطلّ من شفتيك
كيف ترسمين حفيف جناحيك بتلك الصورة الفريدة؟

لا أنتظر مقابلاً لحبّكِ
الآن ودائماً وفي كل مكان.

أنحني أمامك
كي تُحيّيكِ الجموع.


■ ■ ■


خاطرة

(إلى "ستيليو بيسي")

أمامك
أقف أنا
كأني علامة تعجب!
وفي نهاية حديث لم يُقال
أتساؤل
منْ أبدع إيقاع
تلك الأعضاء الجامدة؟


(الموسيقي القبرصي الذي داهمه المرض وأفقده الحركة بعد عطاء فني طويل في سبيل قضايا وطنه، المترجم)


■ ■ ■


انتظار

كمراكب شراعية
ساعات الانتظار تلك
ثقيلة
لن أعبأ لها خاطراً
سوف أُخفي مجتهداً
تنهداتي الصغيرة
للحظات متعة
ولتبقى تلك الأشرعة
مطوية


■ ■ ■


أفكار حرشفية

لا تُشعل الضوء
حرشفيات هي الأفكار
سوف تنقضّ
تلدغك
بذنَبها
لا يعنيها أنها ما تلبث
أن ينطفئ وميضها
على واجهة الزجاج المتوهج.


■ ■ ■


غضب

غضبتِ كثيراً
هل تتذكرين يا أمي؟
عندما أخذتُ خفية
أَحْمَرَ الشِّفاه الخاص بك
وأفسدتُ الحائط
الناصع البياض
بخطٍ طويل المدى
أدميتْ يداك
وأنت تنظفينه.

بعد أن قام فريق الإنقاذ
بإعادة بناء الحائط الذي
تهدّم ومزق وجهي
أشعر بالخوف لأنك
ستغضبين ثانية
وستدُمى سنوات عمرك
وأنت تنظفينه.

* Pambos Kouzalis شاعر من جزيرة قبرص، ولد في مدينة نيقوسيا حيث يعيش اليوم. درس تاريخ الفن وعلم الآثار في جامعة أثينا، ويعمل في التدريس وينشط في الحقل الثقافي. بالإضافة إلى مجموعاته الشعرية، شارك كوزاليس في إنتاجات مسرحية وتلفزيونية من خلال كتابة نصوص غنائية. نعثر في شعره على صوت شخصي، وخصوصية قبرصية تجمعه مع أقرانه الشعراء هناك، رغم انتمائهم إلى تقاليد الشعر اليوناني.

** ترجمة عن اليونانية: محمد عبّاس

المساهمون