مصر: "جدران الحرية" صادرتها الجمارك

20 فبراير 2015
"تحيّة للثورة المصرية" لـ باسم يسري / مصر
+ الخط -

لم تمرّ ستة أشهر على حادثة احتجاز الرقابة المصرية لثلاثة كتب إبداعية وفكرية من إصدارت "دار التنوير" (ضمن حوادث كثيرة غيرها)، أثناء دخولها مصر بعد طباعتها في بيروت (يبدو من الغريب احتجاز مثلها؛ "المبرومة" لربيع جابر و"مدخل إلى السيموطيقا" لنصر حامد أبو زيد و"في مدح الحب" للفيلسوف الفرنسي آلان باديو)؛ حتى أعلن رئيس المنطقة الجمركية، أول أمس، ضبط جمارك الإسكندرية صندوقاً يحتوي على 46 كرتونة.

ما يتبادر إلى ذهن قارئ الخبر، للوهلة الأولى، أن الصناديق تحتوي على أسلحة أو ممنوعات، لكن المفاجأة أنها 400 نسخة من كتاب بعنوان "جدران الحرية"، الصادر باللغة الإنجليزية عن دار نشر ألمانية، يوثّق لغرافيتي الثورة، تم ضبطها أثناء إيصالها إلى "دار التنوير" في القاهرة.

الأسباب التي ضُبط الكتاب بموجبها، بحسب بيان نيابة الإسكندرية، هي أنه "يحرض على الشغب ويدعو إلى الثورة على أجهزة الجيش والشرطة". ومن جهته، يؤكد المستشار القانوني لـ"دار التنوير"، أمير عزيز، أن الكتاب لا يحتوي إلا على صور توثيقية لغرافيتي الثورة خلال أول ثلاث سنوات، أعدّته المصممة بسمة حمدي، ونشره الناشط دون كارل.

ولم يخف عزيز تعجبه من قرار ضبط وإحضار صاحب "دار التنوير"، ومن طريقة صياغة المحضر التي توحي بضبط "مواد مخدرة"؛ لأن الكتاب يدخل إلى مصر بشكل رسمي، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إدخال هذا الكتاب نفسه إلى مصر.

ووسط صمت اعتدنا عليه في الآونة الأخيرة من معظم مثقفي مصر، انتقدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" ضبط الكتاب بزعم أنه يقوم بالتحريض على الثورة ضد النظام، طبقاً لما جاء في تصريحات وزير المالية، وطالبت الشبكة السلطات المصرية بالإفراج عن النسخ المُصادرة، والسماح بتداولها لأنها عمل تاريخي "يُعد توثيقاً لفترة من أهم فترات التاريخ المصري".

وذكرت الشبكة في بيان لها، أمس: "إن مصادرة كتاب ينشر جزءاً من التاريخ عبر لوحات تم رسمها بالفعل خلال سنوات ماضية، يُعدّ محاولة فجة لمحو ذاكرة شعب قام بثورة ووثقها شباب ومبدعو الغرافيتي على جدران الشوارع، ويشير إلى العداء الواضح من قبل السلطات المصرية لكل ما يمت لثورة 25 يناير بصلة، ومحاولة واضحة لطمس ملامحها، غير أنه أيضاً انتهاك لحرية الفكر والإبداع وحرية تداول المعلومات".

الغريب في حادثة ضبط "جدران الحرية"، أنه ليس أوّل كتاب يصدر لتوثيق أحداث الثورة المصرية، فقد سبق وأن صدرت كتبٌ حول الغرافيتي، أحدها عن مؤسسة رسمية مصرية، وهو كتاب "أرض أرض.. حكاية ثورة الغرافيتي" (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012) للقاص والمصور الفوتوغرافي شريف عبد المجيد؛ ما يشير إلى أن ما كان مسموحاً به قبل أن يملك العسكر زمام السلطة في مصر، لم يعد مسموحاً به الآن، ليس فقط على مستوى المظاهرات التي تخرج في الشوارع والجامعات، بل وكل ما يُذكِّر ثورة يناير.

المساهمون