ليون الأفريقي.. من كتب التاريخ إلى مواقع التواصل

12 مارس 2016
(ليون الأفريقي، لوحة لـ سيباستيانو ديل بيومبو، حوالي 1520)
+ الخط -

لعل شهرة قصّة الرحالة حسن الوزّان المعروف بليون الأفريقي، جاءت بعد رواية أمين معلوف "ليون الأفريقي" الصادرة عام 1983. ساهم معلوف بشكل كبير في انتشار القصة التاريخية، بتناولها في عمل روائي يسرد فيه القصّة الفريدة لحياة هذا الرحّالة من خلال تمثل الهوية السردية بتنوعاتها الثقافية، وهو خطاب مركزي في مشروع معلوف الروائي الداعي إلى حوار الحضارات وانفتاحها على بعضها، وهي رؤية يتشابك فيها التاريخي بتأويلاته المتعدّدة المنفتحة مع السياسي والواقعي بعيدًا عن التحديدات العرقية والدينية واللونية، ساعيًا إلى الاحتفاء بالاختلاف الثقافي بين البشر.

قبل رواية معلوف، لا نعثر على مراجع كثيرة تتناول سيرة هذه الشخصية وكتاباتها. أبرز هذه المؤلّفات هو ما كتبه المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون عام 1906 بعنوان "المغرب الأقصى في السنوات الأولى من القرن السابع عشر: لوحة جغرافية حسب ليون الأفريقي".

بعد ظهور رواية معلوف، برز اهتمام بالشخصية ودراستها، فنجد رسالة دكتوراه للباحثة زيري أم البنين بعنوان "أفريقيا في المرآة الأوروبية: من ليون الأفريقي إلى عصر النهضة" عام 1991، وعملاً آخر للمؤرّخة الأميركية نتالي زيمون ديفس بعنوان "ليون الأفريقي: مسافر بين عالمين" عام 2010، وكتاباً بحثياً ألّفه الباحث المغربي المهدي الحجوي عام 2013 بعنوان "ليون الأفريقي، حياة الوزّان وآثاره".

ولعل كتاب "في وصف أفريقيا" الذي ألّفه حسن الوزّان/ ليون الأفريقي خلال إقامته في روما، هو أهم مؤلّفاته، وقد اعتُبر الكتاب الأول الذي يصف أفريقيا وصفاً دقيقاً، وهو معتمد على مشاهداته خلال رحلاته، وأُنتج في خضم بداية عصر النهضة في أوروبا، إلا أن النسخة الأصلية للكتاب الذي يُعتبر المرجع الأساسي لحياة وقصّة الوزّان، فُقدت.

ويدور نقاش حول اللغة التي ألّف بها الوزّان كتابه، أهي العربية أم اللاتينية؟ لأن النسخة الموجودة هي نسخة فرنسية تُرجمت عن الأصل. يذهب الباحث المغربي مصطفى بنسيرة، في فيلم وثائقي عن حياة ليون الأفريقي، أن "وصف أفريقيا" كُتب بالعربية، بينما يقول باحثون آخرون مثل الفرنسي ماسينيون والأميركية ديفس أنه لا يوجد معلومات تؤكّد أنه كُتب بالعربية.

بل إن نقاشاً ثار على مواقع التواصل حول كون الوزّان من أصول أمازيغية وأنه "ليس عربياً". كما يذهب البعض إلى أن لقب الوزّان هو نسبة إلى بلد في الريف الشمالي لأفريقيا يُدعى الوزّان كان يتردّد عليه، بينما يأتي هذا اللقب حسب رواية معلوف من والده الذي عمل وزّاناً للحبوب في غرناطة.

بعيداً عن أهمية التفاصيل التاريخية، فإن هذا النقاش كله غير مجدٍ، ولعلّه يعبّر عن نزعات عصبوية، فهناك من يحاول أن يحسبه على الشرق بسبب أصوله، وهناك من يحاول أن يحسبه على الغرب كونه كتب في سياق النهضة الأوروبية، وبعضهم يستغل قصة تاريخية كجزء من صراع الذات مع الآخر، في محاولة للإجابة عن سؤال من يملك حسن الوزّان/ ليون الأفريقي؟ وهو بعكس رحلة/ قصّة/ رسالة الرجل الذي استطاع أن يتأقلم في كل مدينة ويكون جزءاً من ثقافتها وبيئتها.

لعل بعض الاقتباسات من رواية معلوف أكثر جوهرية من هذا النوع من النقاش، فلننظر إلى الجملة الأولى: "خُتنت، أنا حسن بن محمد الوزّان، يوحنا - ليون دومديتشي، بيد مزيّن وعُمّدت بيد أحد البابوات، وأُدعى اليوم "الأفريقي"، لكنني لست من أفريقية ولا من أوروبا ولا من بلاد العرب، فأنا ابن السبيل، وطني هو القافلة وحياتي هي أقل الرحلات توقّعاً". أو واحدة من الجمل الختامية: "احذر أن تدغدغ غريزتهم يا ابني، وحاذر أن ترضخ لوطأة الجمهور! فمسلماً كنت أو يهودياً أو نصرانياً عليهم أن يرتضوك كما أنت، أو أن يفقدوك".



اقرأ أيضاً: سلوتردايك.. مثل مستشرق مبتدئ

المساهمون