في أحد مستشفيات طهران، رحل صباح أمس المفكر الإيراني داريوش شايغان (1935-2018)، الذي عرفته الثقافة العربية أولاً من خلال كتابه "ما الثورة الدينية"، إلى جانب تطرّق مفكرين عرب إليه في أعمالهم ومناقشتهم لأفكاره، مثلما فعل محمد أركون وجورج طرابيشي.
شايغان أحد المفكرين الإشكاليين والمثيرين للجدل، فلديه عدّة أفكار مركزية تمحور حولها نقده الفكري للثقافات غير الغربية، فلطالما رأى صاحب "الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة" وجود تعارض وتناقض كبير بين الحضارة العالمية الحديثة وبين الحضارات القديمة التي وصفها بأنها "لم تشارك التاريخ أعياده"، قاصداً بذلك أنها لم تدخل المنعطفات الكبرى التي غيّرت الحضارات الحديثة؛ السيكولوجية والكوزمولوجية والبيولوجية.
يأتي شايغان من خلفية أسرية قائمة على التعدّد الهوياتي، حيث ولد لأب أذربيجاني الأصل وأم جورجية هربا معاً من روسيا إلى إيران، حيث ولد شايغان، وكبر يتحدّث الفارسية والتركية والروسية كما تعلّم العربية، ودرس لاحقاً السنسكريتية وتخصّص في الثقافة الهندية ولغتها.
ألحقته والدته بمدرسة فرنسية طفلاً، وأرسل شاباً لدراسة الطب في سويسرا، وهناك كان يذهب إلى كولن الألمانية ليستمع إلى محاضرات الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، وكان يرتاد في الوقت نفسه محاضرات مؤسس علم النفس النمائي جان بياجيه.
عند عودته إلى طهران اشتغل مدرساً في الجامعة، قبل أن يؤسس "المركز الإيراني لدراسة الحضارات" عام 1976، لكنه غادر إلى فرنسا بعد إغلاق المركز عقب الثورة الإيرانية، وهناك أكمل أطروحته في الدكتوراه حول "الهندوسية والتصوّف".
في كتابه "ما الثورة الدينية" تناول شايغان فكرة أساسية وهي "العلمنة اللاواعية والتغرب اللاواعي"، والذي يرى فيه أن من يقول بعدم تعارض الدين مع القيم الحديثة هو في الحقيقة يقول بعلمنة الدين، موضحاً أنه "عندما نقول إن الدين لا يتعارض مع العلم أو مع الديمقراطية فهذا معناه أن الدين أصبح يستمد مشروعيته من هذا الانسجام مع الحضارة الكونية وليس من الإيمان بصدقه بالغيب، كما ظلّ على الدوام في تاريخ هذه المجتمعات قبل الصدمة مع الحضارة الحديثة".
كانت الهوية من المفاهيم الأساسية التي شغلت شايغان وناقشها في عدة كتب، أبرزها "أوهام الهوية" و"هوية بأربعين وجها"، حيث وصف الهوية بـ"الريزومية"، نسبة إلى نبات الريزوم، الذي تمتدّ جذوره أفقياً لا عمودياً، لا مركزية له ولا طبقات فهو ينمو ويمتد في اتجاهات أفقية متجدّدة.
انتقد صاحب "النفس المبتورة" و"الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية" مفاهيم القومية والحضارة والثقافة والتقنية والعولمة والصورة، معتبراً أن عالم اليوم مركّب فبقدر ما هو عالم المرايا والتخليق هو أيضاً قائم على التمزيق والتحطيم.
يؤخذ على شايغان تعويله على الغرب والحضارة الغربية إلى حد قد يصل إلى اليأس من أي حضارة لا غربية، بما في ذلك اليابانية والهندية والصينية. يقول الكاتب سعدي عقل محفوظ في مقال تناول فيه جانباً من فكر الراحل: "طالما أن شايغان يُعوّل على الغرب في التوصل إلى حل لمسألة الهوية، فإن ذلك يحيل إلى نوع من العدمية تجاه ما هو غير غربي، الذي يغيب ليحضر بوصفه احتمالاً أو فولكلوراً أو تهويمات بلا ذاكرة، وأساطير، وأدلجات فجة، وأشكال وطقوس ورموز لكن من دون القدرة على أن تقوم بأي دور فعال في عالم اليوم".