أمطار من عملات معدنية ومفاتيح ضائعة

21 يونيو 2017
(الشاعر)
+ الخط -

المدينة تردّ الصاع صاعَين

لا تنيْ أصصُ الزهر
على الشرفة تترصّدُنا
بانتظار
أن تقوم بعمل انتحاريّ.

سينتهي الأمرُ
بالأدوات المنزلية القديمة
التي تُركت لتفسدَ
في مرائبِ البيوت
إلى الحرق والدخان
الكثيفين
وسوف يتلوّثُ الجوّ أكثر وأكثر.

وستلتصق على
أعمدة الكهرباء
صورُنا بالأبيض والأسود.

وستعرض الحواسبُ
عبارةَ
"لقد قُضيَ عليكم!"
على شاشاتها.

ستنقلب بنا الكراسي
ستنغلق الأبواب وتعتصر أصابعنا،
ستتعفّن حشيّاتُنا وتحفل بالعثّ
ستنفلق الطاولات
من المنتصف
كلّما استند المرء عليها وسرقتْه إغفاءة.

ستزيحُ
المجاريرُ
أغطيتها
تماماً قبل أن نخطوَ فوقها،
وخصوصاً في الليل.

ستنهمر
الأمطارُ علينا
أربعاً وعشرين ساعةً
أمطارٌ من
عملاتٍ معدنية
ومفاتيحَ ضائعة.

سيحدث ذلك بُعيدَ
أن يوقِفَ الجسرُ
جريانَ النهر
ثم سنصبح
أسماكاً في أكواريومِ
الغيابْ.


■ ■ ■


تذكار

ثمة الكثير من الإهداءات
بين طيات الكتب
في سوق البضائع المستعمَلة
كتبها أناسٌ غادروا العالم.
وبالتالي، سأعطيك واحداً منها.
وحين نغادر العالم،
فإن أسماءنا الباهتةَ على الهوامش
ستعود إلى الحياة في أخيلة
الناس الذين يفكّون
خطَّ اليدِ الرديءَ هذا.


■ ■ ■


عطلة

اليوم عطلةُ المدينة.
لن يغيب القطارُ هذا اليوم.
كذلك الحافلات. الأمرُ أنها أقلّ عدداً.
ونحن لا نغيب أيضاً.
ها نحن على المقعد معاً، بمحاذاة الجسر.
الجو مشمس.
هناك أولاد.
ونحن ولدان أيضاً.
كبير وصغيرة.
أنت الصغيرة، وأنا الثاني.
لكن لو نهضنا عن المقعد،
ستكونين أنتِ الكبرى.
غير أن ذلك لن يثنينا عن الجلوس على المقعد.
ربما لأن اليومَ عطلةٌ،
أو لأننا نرنو نحو الجسر بأنظارنا،
أو ربما بسبب الحافلات.
وفي الواقع هذا لا يهمّ.
ما يهمّ أن الجوَّ يزداد برودة دون أن يدري أحدُنا
إن كان لدينا أدنى رغبة بالانصراف.


■ ■ ■


قراءة الطالع

يطلي التلفازُ في غرفة الجلوس
الحيطانَ
بكلِّ الألوان
فتبدو مثل ورق الجدران،
ويبدو جِلْدنا
كأنه نُقش بالوشم.
ونحن مسترخيان
على الأريكة نصف الدائرية،
أنت تقرئين
لي كفّيَ:
أظنّ أنها البدايةُ
لعلاقة رائعة،
وأنا أتأمل كيف
تتلاشى الكفّان على بطنك
في مجاهل الليل.


■ ■ ■


المغلوب على أمرهم

ههنا نكتبُ الأشعارَ،
ببساطة نقولُ ذواتنا
عبر استعارات
ومجازاتِ لغةٍ
مشلوحة على الورق
مثل حلوى على السجادة.
نكتبُ لكي نُعينَ أنفسنا،
لكي نروِّضَ أحقادَنا
داخل مخابئنا الذاهلة،
لكي نُعينَ أنفسنا
بالعودة
إلى تلك الذكريات العتيقة،
والناسِ الذين عبروا.
ههنا لا نكلُّ من كتابة الأشعار
آملين أن تغيِّرَ الكلماتُ
الذكرياتِ والناسَ.
نبتكرُ التشابيهَ من كل صنفٍ ولون
ونُسوّي
أفكارنا على طاولة الكويِ،
مخافة أن نكون قد أغفلنا شيئاً ما،
ولو كان صغيراً،
مما يُغضبُ الناسَ
والذكرياتِ
فترانا نلمّعُ كلَّ حرفٍ
ليغدوَ كتلك المرأةِ
عبْرَ واجهة المتجر،
تمسح الأشياءَ
المصنوعة من الكريستال والأحجار النفيسة،
لكن ثمة
فرق واحد طفيف
بينها وبيننا.
نحن ههنا نكتب الأشعار،
لكن أولئك المعنيين
بعيدون وغائبون بالعادة،
أما الآن فلديهم
ذكرياتٌ أخرى، وناسٌ آخرون.
ونحن ههنا نكتبُ الأشعارَ
لكي نمدَّ لهم يدَ العون.


■ ■ ■


عذر

لم يكن الاعتراف بالوئام
مسوِّغاً لعذري:
- التفتُّ إلى شريكتي في السفر،
لأنها كانت تغالب غفوتَها
بكل عذوبة
وعلى حين غرة أجدُ أن الطريقَ وخطوطه وإشاراته
وسيارة الفولكسفاغن التي أمامي
قد تلاشتْ.


■ ■ ■


بعد طول انتظار

أخفيتُ كتابَكِ.
والآن أنا على يقين أنك ستأتين إليّ،
إلى كرسيَّ، وستقولين بصوتٍ آمِرٍ:
"انهض من فضلك، أريد تفقُّدَ أمر ما!"
وفي النهاية، سوف أحظى بلمسةٍ منكِ.


■ ■ ■


تلبيةٌ متأنِّية لرغبة

سأُسدلُ الستائرَ
رغم أنه الليل.
لا أريدُ
للنجومِ أن تتلصّصَ علينا
حين في النهايةِ
نُمسي وحيدَين.


■ ■ ■


سيّاح

يشير الصبي
إلى خنفساءِ أيّارَ
خضراء
تدبُّ بين
المعروضات
في متجر الهدايا.
لا الأمُّ
وهي تقول الاسمَ الصحيح
للحشرة
بلغتهما،
ولا حقيقة أن الخنفساء
سرعان ما ستطير،
كانا كافيين
للصبي
لكي يكفّ عن أمنيته
بأن يحظى بها دون سواها
من بين أشياء المتجر.


* Zarko Kujundjiski مواليد عام 1980 في مدينة سكوبيه، مقدونيا. روائي وصحافي وكاتب قصة قصيرة ومؤلف مسرحي وشاعر وناقد سينمائي ومترجم. نشر 11 كتاباً، وترجمت بعض أعماله إلى الإنكليزية والصربية والبولونية والفرنسية والألمانية والإيطالية. حرّر موسوعة "لديّ حلم ــ 2010" التي ضمت أشهر الأقوال والخطب في مقدونيا والعالم على مرّ العصور. وساهم بتحرير أنطولوجيا "غنائيات الحب" الأوروبية. ترجم من الإنكليزية إلى المقدونية رواية "إفطار عند تيفاني" لـ ترومان كابوتي، والنصَّ السينمائي لفيلم "قصة رخيصة" الشهير للمخرج كوينتن تارانتينو والممثل جون ترافولتا. كانت روايته "المتفرج" أول رواية في الأدب المقدوني يطبع منها سبع طبعات متلاحقة، وترجمت إلى البولونية والإنكليزية.


** ترجمة: أحمد م. أحمد

المساهمون