تجارب من التشكيل النسوي العربي

27 مارس 2017
(من أعمال إنجي أفلاطون في المعرض)
+ الخط -

يشهد غاليري "بوشهري" في الكويت، هذه الأيام وحتى نهاية الشهر الجاري، عرض مجموعة متنوعة من الأعمال التشكيلية من بلدان مختلفة.

الجامع الوحيد بين هذه المجموعة أنها لفنانات عربيات، بعضهن مثل إنجي أفلاطون (1924-1989) وتحية حليم (1919- 2003) من جيل الريادة، وبعضهن من جيل الوسط مثل تمام الأكحل (1935) وسعاد العطار (1942)، وأخريات أحدث عهداً مثل هند عدنان (1970).

ويبدو أن المناسبة، يوم المرأة العالمي الذي صادف الثامن من آذار/ مارس الحالي، هي التي حكمت هذا التنويع، ودفعت إلى إحداث تجاور بين بيئات فنية مختلفة زماناً ومكاناً، وتقديم صورة شبه تاريخية لعالم التشكيل النسائي.

المثيرُ للاهتمام أن هذا التجميع، ولو أن وحدته الجامعة مستمدة من مناسبة لا من عنصر فني، يلفتُ النظرَ إلى أول ملمحٍ من ملامح الفن التشكيلي العربي، ويتساوى في ذلك إنتاج الفنانين من كلا الجنسين؛ تنوّع مصادر ومنابع فنانيه، وتوزّعها على أكثر من عاصمة من عواصم العالم غير العربي. لدينا موسكو وباريس وروما ولندن، وبينهما صوفيا البلغارية، وبراغ التشيكية. إضافة طبعاً إلى عواصم عربية مثل بغداد والقاهرة ودمشق يبدأ فيها الفنان/ الفنانة دراسته ثم يرتحل، إما للدراسة أو الإقامة في البلدان الأجنبية.

ويظهر أثر هذا المزيج من المنابع فور أن يقع نظر زائر هذا المعرض أو ذاك على أول لوحة أو منحوتة يصادفها. وقد توفِّر زيارة لمتحف غربي/ شرقي أحياناً فرصة لاكتشاف النبع الذي استقى منه فنان بغدادي أو كويتي أو قاهري أو دمشقي ملامح فنه، إما خلال حياته هناك أو عبر تصفحه منشوراتِ المتاحف والمعارض. وحدث هذا ذات يوم خلال زيارة لمتحف فن بلغاري اكتشف فيه زائرٌ منبت "خيول" رسام عربي ومن أين "استلهمها".

الملمح الثاني، والذي يتفرّع عن هذا، أن هناك ثراءً وتنوعاً غير عادي في أعمال الفنانات العربيات، سواء كان في المواد المستخدمة في الرسم والتصوير، مختلطة أو منفردة، وخاصة في السنوات الأخيرة كما لدى فاطمة الحاج (أكريليك وزيت) وعفيفة لعيبي (زيت فقط)، أو في الموضوعات البصرية التي تتراوح بين التشخيص الواقعي كما لدى نساء وصبايا عند عدنان، وبين تشخيص الأخيلة الكابوسية كما لدى آني كوركجيان، أو صور للذكرى كما في لوحات الأكحل الشبيهة بتصاميم البطاقات البريدية.

على أن الملمح الأكثر تعلقاً بالذاكرة حين تمرّ بهذه الأعمال وتغادرها هو مفردات الروح الشرقية، وهي مفردات تلحّ بوعي، كما في لوحات سمر البدر التي يظهر لديها هذا المنحى كما لو أنها تتعمّد تسجيل ما يوحي بهويتها الشرقية، أو تلحّ بوعي أيضاً ولكن بصوت خافت يأتي من أعماق غموض يحيط بمفردات لوحة سعاد العطار، تجعل عيون التماثيل السومرية والأجنحة الآشورية ساكنة سكون جمال يبلغ منتهاه في حركاتها كما يقول سطر من سطور أبو الطيب المتنبي في صباه.

إلى جانب هذا تتصدّر المشهد أساليب الرسم والتصوير المألوفة في الحارات الشعبية، أو ما يسمى أحياناً "الفن الفطري"، تمييزاً له عن الفن الذي ثقّفته المدارس والنظريات. وخير من مثّلت هذا في المعرض شلبية إبراهيم في لوحة "وشوشة الهدهد". وتقترب من هذا لطيفة لعيبي، لولا أن منابعها ساطعة في إشاراتها إلى فن الأيقونات واللوحات الدينية من عصر النهضة الإيطالية.

بالطبع لا تكفي جملة الأعمال المعروضة للتعريف تعريفاً كاملاً بفن هذه الفنانة أو تلك، ولكن الانتقاء الماهر كما هو واضح لأعمالٍ ممثلةٍ لشخصية الرسامة أو المصورة يمنح العين شيئاً دالاً، ولو بالحد الأدنى، على الخطوط العامة لمسيرتها بل وأسلوبها، ومدى ما تتمتع به من ثراء ثقافي ولوني على حد سواء.


المساهمون