رحيل ميشيل سير.. مَن صالح الفلسفة على الخيال

02 يونيو 2019
ميشيل سير
+ الخط -
في العادة، لا يكون الفلاسفة من مشاهير الحياة العامة، غير أن بعضهم يعثرون على مفاتيح الشهرة، ومنهم المفكر الفرنسي ميشيل سير (1930 – 2019) الذي رحل عن عالمنا، ولعلّنا حين نتصفّح المواقع الثقافية الفرنسية، منذ أمس، سنقف على مدى شعبية الرجل، إذ خُصّصت له صفحات استعادية عديدة وقراءات في أعماله وشهادات حوله.

كان اختصاص سير هو فلسفة العلوم، غير أن الناظر في مشهد مؤلفاته التي تقارب الثمانين عملاً، سيجد بأنه قد وضع كتباً في مجالات شتّى، مثل التاريخ والموسيقى والسياسة والأدب وكتب الأطفال، وهو في ذلك شبيه لأستاذه غاستون باشلار الذي لم ينغلق هو الآخر في دائرة الاختصاص.

أول إصدارت سير كان في 1968، وهو كتاب أعاد فيه صياغة أطروحته الجامعية وحمل عنوان "نظام لابنيتز ونماذجه الرياضية" (1968)، ثم بدأ في إنجاز سلسلة كتب بعنوان "هرمس"، من 1969 إلى 1980، تناول فيها شتّى القضايا الواقعة بين الفلسفة والعلم.

لكن المؤلّف الشاب سرعان ما سيبدأ في مفاجأة متابعيه باستدعائه إلى عالم الكتب الفكرية ما يبدو غير قابل للتناول الفلسفي، ففي سنة 1975، أصدر كتاب "شباب" حول كاتب الخيال العلمي جول فيرن، وهو عمل بقي في الظل سنوات طويلة إلى أن صدر في سنة 2000 كتاب آخر لسير بعنوان "هيرجيه صديقي"، وفيه تناول بأدوات الفلسفة "مغامرات تان تان" ذات الشعبية الكاسحة لدى الناشئة.

كان هذا الكتاب، إضافة إلى أعمال أخرى صدرت له في الأثناء مثل "العقد الطبيعي" (1990)، و"أصول الهندسة" (1993)، و"مديح الفلسفة باللغة الفرنسية" (1995)، قد جعلت من سير همزة وصل بين عالم المفكرين المغلق، والحياة العامة ببساطة مفرداتها وتنوّع مشاغلها. في هذا الوقت، سيختفي نهائياً المؤلف المتخصّص في فلسفة العلم، ليفسح المجال أمام مفكّر لا يتوانى على إبداء رأيه في كل ما يشغل الناس فيكتب عن الأخلاق السياسية، وعن الانتماءات المتشعبة لدى الكتّاب، وعن العزلة والحب، وعن إشكاليات التواصل في عالمنا، وعن التكنولوجيا ومستقبل البشرية وغير ذلك من المواضيع.

هذا التنوّع، وخصوصاً تلك القدرة على الجمع بين التعامل البسيط مع الراهن وعمق المنهجيات الفكرية التي تقاربها، جعلت من سير أحد أكثر المفكرين شهرة في فرنسا، ستدعم ذلك الكثير من التكريمات منها انتخابه لعضوية الأكاديمية الفرنسية، وفوزه في 1985 بجائزة مديسيس لأحسن كتاب فكري، إضافة إلى حضور موسّع في وسائل الإعلام، ولعلّ أبرز ما يذكره الفرنسيون له مسلسل وثائقي بعنوان "جولات حول العالم" في تسعينيات القرن الماضي.

المساهمون