كارلوس نيني.. يغادر شريطه المصور

22 يوليو 2016
(1944-2016)، تصوير: كلار لاتزاغ
+ الخط -

مخرجٌ، رسّامٌ، كاتبٌ، هي الصفات التي حملها الفنان الأرجنتيني كارلوس نيني والتي صبّها في فن واحد: الشريط المصوّر، هذا الفن الذي كان مُصمّماً أن يذهب به أبعد من سرد حكايات ومغامرات للأطفال، وإن حافظ على ارتباطه معه.

يوم السبت الماضي، رحل نيني عن 72 عاماً، قضّى نصفها الثاني تحت مظلات الاعتراف بقدرته على تجميع إشكاليات هذا العالم وصياغتها جمالياً بكل جرأة في صور ونصوص.

مثل فنّاني وكتّاب أميركا اللاتينية الكبار الذين نعرفهم، فتح نيني عينيه على زمن الديكتاتوريات التي تحكم بلدان القارة. كانت المجلات المعارضة حاضنته الأولى. هناك، كان يرسم بشكل منتظم أشرطة قصيرة أقرب إلى قالب النكتة السياسية، وقد تميّز منذ ذلك الوقت بهاجسين: غرس المقولة السياسية (اليسارية) في تربة الثقافة العالمية من جهة، ومن أخرى الحرص على الجودة الفنية في مقابل تيار عام يفضّل التركيز على مضمون الرسالة على حساب شكلها.

لعل ما يفسّر هذه الخيارات هي أحلامه المبكّرة في أن يحقق مسيرة فنان تشكيلي كتلك التي حققها "أبطاله" من فناني القرن التاسع عشر كـ غويا وفلاسكيز، غير أنه عرف بسرعة أن الأزمنة الحديثة لم تعد تستوعب ذلك النمط من الفنانين، فشق لنفسه طريقاً يجمع بين أحلام الشباب والسياقات التي تدفعه إليها الحياة.

في حوارات كثيرة، عرّف نيني نفسه كواحد من "التشخيصيين الجدد"، غير أنه في الحقيقة يبدو غير ملتزم بهذه الصفة المدرسية، إذ نجد الكثير من المؤثرات في أعماله مثل التجريدية والتعبيرية إضافة إلى حضور مشترك بين الكلاسيكية والبوب آرت وحضور ثابت للسخرية في أعماله وقليل من العري.

يعترف نيني بأن شهرته السريعة في بلدان أوروبية، خصوصاً إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، حمته من التضييق عليه في بلده، وأمدّته بمساحات تحرّك لم يجدها رسّامون آخرون. هذا الأفق ساهم أيضاً في توجّهه إلى عالم الأشرطة المتحركة لكن ظل ثقل مسيرته قائماً على أعماله الورقية.

يمكننا رصد عالم سردي لنيني، كذلك، فهو وإن كان يقدّم شكلاً فنياً استرجاعياً يكاد يكون رومانسياً للناظر إليه أوّل مرة، إلا أنه على مستوى الطرح المضاميني أقرب ما يكون إلى الرؤية ما بعد الحداثية للعالم، والتي كانت تظهر في قبول شخصياته بالتعايش مع التناقضات الحادة التي تفرزها الحياة الحديثة.

فن الشريط المصوّر هو في الأساس فن اختراع شخصيات، وكانت الشخصية الأبرز التي أتى بها نيني هي البطّة ساوبون، تلك الشخصية التي لا تتردّد في كشف عورة الواقع. حضرت ساوبون في كتب مثل "جرائم وعقوبات" و"البطة التي تحب الدجاجات" و"تباً للأرانب" كما أدخلها في حبكة أوبرا "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي، وهي أعمال ترجمت إلى لغات عديدة.

في مقابل ذلك، لا تعرف أعمال كارلوس نيني عربياً، وهو غياب يمكن تعميمه على مجمل عالم الأشرطة المصوّرة والتي لا تزال في الذهنية العامة مجرّد رسومات للأطفال بينما هي في أماكن أخرى من العالم تحلق في فضاءات النقد السياسي والفكري مثل أي شكل فني وأدبي آخر.

دلالات
المساهمون