أطلق عليه بعض النقاد "دافنشي الثاني"، إذ يعتبر الفنان التركي رفيق أناضول (إسطنبول، 1985) رائداً في ما بات يعرف بجماليات الذكاء الصناعي. يشتغل الفنان على أعمال سمعية بصرية ثلاثية الأبعاد ويقدّم تصورات جديدة عن عمارة ومدن وعوالم بدت لنا لزمن طويل راسخة الشكل، ليأتي أناضول ويهدم هذا الرسوخ.
حدث ذلك بعد أن غادر إسطنبول إلى لوس أنجليس حيث يعمل محاضراً في جامعة كاليفورنيا، ومشى بين أروقة "والت ديزني كونسرت هول"، التي صممها فرانك جيري كما لو كانت منحوتة وليست مبنى في قلب إحدى أكثر المدن حيوية في العالم. كان جيري يحلم بأن تصبح جدران المبنى من الخارج حيّة مثلما هي العروض، ولم يكن يعلم أن شاباً تركياً سيأتي ليحقق هذا الحلم.
قام أناضول بتطبيق مشروعه الفني في الذكرى المئوية لفلهارمونية لوس أنجليس العام الماضي، وقام بتصميم أرشيف رقمي بصري صوتي باستخدام الذكاء الصناعي، وصار بإلإمكان عرض كل حفل موسيقي كلاسيكي منذ مئة عام وحتى يومنا بزر واحد فقط وأن يظهر كل تاريخ الأوركسترا على جدران المكان.
أصبح أناضول اليوم معروفاً بقدرته على تحويل المساحات والواجهات المعمارية إلى لوحات لفن الوسائط الحية، حيث يقوم بتصميم "عقل" إبداعي محوسب يمكنه أن يحلم ويتنقل بين الأزمان وينقل إلينا منها الصور والأصوات.
يقيم أناضول معرضاً لتجهيز جديد تحت عنوان "وجود كامن" في غاليري "كرافتويرك" في برلين حالياً وحتى الخامس من كانون الثاني/ يناير العام المقبل.
المعرض هو برنامج بمثابة تجهيز سمعي بصري جديد، يستخدم فيه الفنان خوارزمية تعلّم عميقة متطورة لتحويل موقع الغاليري إلى بيئة غامرة من أربعة فصول. يتم تغذية الخوارزمية بكميات هائلة من البيانات، التي تتكون من ذكريات بصرية وصوتية رقمية لبرلين، إضافة إلى أنماط حركة من زوّار المعارض.
فيحوّل الفنان الخوارزمية إلى "آلة تحلم"، حيث تقوم بإنشاء لوحات بيانات تتحدى تصوّرنا للزمان والمكان وكذلك علاقتنا مع أجهزة الذكاء الصناعي.
في كل مرة يقيم أناضول معرضاً يثير الكثير من الجدل والحديث حول فلسفة علم الجمال وعلاقتها اليوم بجماليات الذكاء الصناعي، فحين عرض "آلة الهلوسة" في نيويورك في أيلول/ سبتمبر الماضي أخذ فنّه إلى نقطة أبعد وبدا كأنه يسابق نفسه من برنامج إلى آخر، واعتبرت مشاهدة هذه الآلة تجربة مذهلة تشبه إعطاء الوعي لعالم لم نكن نعلم أن وجوده قابل للتحقق أمامنا. مرة أخرى أنشأ أناضول آلة باستخدام خوارزميات عثرت على مئات الملايين من صور مدينة نيويورك وعالجتها، وقدمت قطعة سمعية بصرية غامرة بدت كما لو أنها مدينة نيويورك ثانية ولكنها تتكون أمام أعيننا بتاريخها كله.
تتمحور أسئلة أعمال أناضول حول استكشاف الفضاء بين الكيانات الرقمية والمادية من خلال إنشاء علاقة مختلطة بين الهندسة المعمارية والوسائط باستخدام ذكاء الآلة. ويرى أن لا بد اليوم من إعادة التفكير في الجمالية الجديدة والتقنية والإدراك الديناميكي للفضاء، ويتساءل عن إمكانية وجود مستقبل معماري رقمي لم تعد فيه حقائق غير رقمية.