ميشال ويلبيك.. عودة مدروسة

11 يناير 2017
(ويلبيك أمام صورة أشعة لرأسه في بينالي زيوريخ)
+ الخط -

يعود الكاتب الفرنسي المثير للجدل ميشال ويلبيك إلى الواجهة الأدبية هذه الأيام عبر مجلة "دفاتر ليرن" الفصلية التي خصّصت له عددها الأخير. وأيضا من خلال كتاب "في حضرة شوبنهاور"، الذي يستعرض فيه تأثره بالفيلسوف الألماني، والذي صدر عن دار النشر "فلاماريون" التي نشرت له أيضاً الجزء الثاني من أعمال ويلبيك الكاملة في طبعة جيب شعبية بعنوان "ويلبيك: 2001-2010" تضمّ روايات "منصّة" و"احتمال جزيرة" و"الخريطة والحدود".

وتأتي هذه "العودة القوية" بعد حوالي عامين من الغياب المتعمّد منذ روايته "خضوع" التي تتخيل صعود حزب إسلامي إلى السلطة في فرنسا وكان صدورها في 7 يناير/كانون الثاني 2015 تزامن مع الاعتداء الدامي على مجلة "شارلي إيبدو" التي كانت أفردت له في ذات اليوم غلافها الإسبوعي. ومنذ ذلك الحين توارى ويلبيك عن الأنظار وعاش فترة طويلة تحت حراسة أمنية مشددة خشية على سلامته بالنظر إلى الإساءات الكثيرة التي طالما رددها ضد الإسلام والمسلمين والتي ساهمت في صنع شهرته الإعلامية.

اشتمل العدد الخاص من "دفاتر ليرن" على مجموعة من المقالات لباحثين جامعيين ونقاد وروائيين تناولوا من زوايا مختلفة كتابة ويلبيك في محاولة لتسليط الضوء على أعماله بطريقة أكاديمية هادئة بعيداً عن التناول الإعلامي السريع. واعتبر الناقد سيلفان بورمو مثلاً أن "رواية "خضوع" تُقرأ كنص إسلامفوبي، رغم أن الإسلام في الرواية غير مخيف بالضرورة لكن ويلبيك يوظّفه كفزاعة تبث الرعب في القارئ". في حين رأى الروائي مارك فيتزمان أن "ويلبيك يُظهر في رواية "خضوع" إمكانية المصالحة بين الإسلام المحافظ والكاثوليكية المتزمتة في المجتمعات الغربية".

في المقابل، ركّز نقّاد آخرون مثل برنو فيار حول استراتيجية التمويه لدى ويلبيك التي تمكّنه من اجتذاب شرائح مختلفة من القرّاء لا يتقاسمون معه نفس الأفكار بالضرورة. واعتبر فيار أن ويلبيك يلعب على جميع الأوتار دفعة واحدة حيث إن "النزعة المناهضة للأفكار الليبرالية تجد صدى إيجابياً لدى المتعاطفين مع اليسار الجذري على المستوى الاقتصادي في حين أن أفكاره الرجعية والأخلاقية تجلب له تعاطف اليمين المحافظ. وفي المقابل يثير هجومه على الإسلام حماسة التيارات العنصرية المتطرفة".

أيضا تناول الناقد ألان فايان استراتيجية السرد لدى ويلبيك وركز على "رغبته في الإقناع المباشر والجدي للقارئ التي تتعارض مع العقد السردي التقليدي في الخيال الروائي الذي يميّز عادة بين السارد وشخص الكاتب" واستثمار هذه الرغبة في نقل عدوى التشاؤم والنظرة السوداوية للعالم.

هذه السوداوية تتجلّى بشكل أكثر وضوحاً في كتاب "حضرة شوبنهاور" الذي تعرف عليه بالصدفة عندما كان عمره 25 عاماً وقرأ كتابه "حكم حول الحياة"، وهو مجموعة من الشذرات تتأمّل في الوجود والفكر كتبها شوبنهاور في خريف حياته. بعد هذا الاكتشاف انصرف ويلبيك إلى أعمال الفيلسوف الألماني، خصوصاً مؤلفه الشهير "العالم إرادة وتمثلاً". وصار ويلبيك يتقاسم مع شوبنهاور النظرة السلبية للحياة على أساس أنها شر مطلق وأن "الشر والشقاء والتعاسة هي جوهر الحياة وحقيقة الوجود" ويشترك معه نفس الحقد الدفين على الحياة وذات الازدراء الشرس لكل مظاهر "البهجة" التي قد تتمخّض عن البشر. وهو نفس الحقد والازدراء الذي يعبر روايات ويلبيك ويمثل سمتها الجوهرية. أيضا يتبنى ويلبيك كره شوبنهاور للطبيعة التي يعتبرها مشهداً مملاً يبعث على التقزز وعالم الحيوانات "تلك المخلوقات الغبية التي تعيش حياةً، ليس فقط عبثية بل في غاية الفظاعة".

في "حضرة شوبنهاور" لا نجد في النهاية حديثاً مستفيضاً عن الفيلسوف الألماني لأن ويلبيك في الواقع ينتهز فرصة شوبنهاور للحديث باستفاضة عن نفسه ويبوح بين السطور باحتمال مصالحة بين القرف المعلن من الحياة والسعي النرجسي إلى الشهرة.

المساهمون