عبيد خليفي.. كراسات السجن محرّرة

25 يناير 2018
(من غرافيتي أيام الثورة التونسية، مجموعة أهل الكهف)
+ الخط -
في حادثة بدت غير معتادة بالمرة، قامت مؤخراً إدارة أحد السجون التونسية بتسليم مخطوطات إلى كاتبها عبيد خليفي الذي كان معتقلاً سياسياً في نهاية العقد الماضي على إثر مشاركته في ما عُرف بـ"انتفاضة الحوض المنجمي" (2008).

في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول خليفي: "أن يستعيد سجين سياسي كراساته السجنية هي سابقة في تاريخ تونس، ولا يمكننا أن ننكر أنّ التعامل مع سجناء الرأي قد تغيّر بعد الثورة (2011)".

عن تفاصيل استعادة مخطوطاته، يوضّح "لئن كان من مهام "هيئة الحقيقة والكرامة" (الجهة المشرفة على منظومة العدالة الانتقالية في تونس) أن تعيد للمساجين أوراقهم ومخطوطاتهم، فإنّ التعامل الرسمي صار فاتراً مع الهيئة، وهو ما جعلني ألجأ إلى "الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان" في شخص رئيسها جمال مسلّم الذي تحمّل أعباء استعادة تلك المخطوطات عبر القنوات الرسميّة".

يعتبر خليفي أن المسألة ذات رمزية تتجاوز شخصه، إذ يرى أن مثل هذه الحادثة تجيب "من يدّعون بأن تونس لم تعرف ثورة بأنهم واهمون، فالثورة التونسيّة هي التي منحتني حريّتي، ثم حرّرت كرّاسات السجن بعد عشر سنوات". يضيف "نحن نعيش أحد أهم طقوس الحريّة وأعتبر هذه الحركة الرمزية فصلاً من فصول الثورة التونسيّة".

وعن محتوى المخطوطات، يقول: "دوّنت مذكّراتي وكتبت رواية، وفي السجن أيضاً تولّدت إشكالية أطروحتي للدكتوراه حول الحركات الجهاديّة، وعندما غادرت السجن سنة 2009 حجزت إدارة السجن كراساتي ومخطوطاتي، وحرمني نظام بن علي من مواصلة دراستي الجامعيّة". يتابع "وجدت أوراقي سليمة كما حُجزت، غير أنّ الطريف فيها أنّها مرّت على رقيب كان يقرأ كل ما كتبته حرفيّاً ويشطب أسماء كانت لبعض رموز النظام السابق وخاصة اسم زين العابدين بن علي".

سألنا خليفي إن كانت لديه نوايا بنشر ما كتبه حين كان بصدد تأليفها في السجن؟ يجيب: "كانت الكتابة زمن السجن في نفس الوقت ملهاة وترفاً وتصعيداً، ولم تكن لي النيّة في الكتابة لأجل النشر. كنت أتذكّر وأكتب، وكبرت البذرة بعد الصفحة الأولى إلى مشروع رواية تكون ذاكرة جماعيّة لتجربة الحوض المنجمي بفواعلها وشهودها، وقد بلغت حوالي 400 صفحة".

وعما يعتزمه بشأنها الآن، إن كان سينشرها في كتب أما لا، وفي حال تمّ ذلك هل سيُجري تعديلات على النصوص أم سيبقيها على حالها، خصوصاً أنها كتبت على مسافة عشر سنوات؟ يقول: "لم أكن أتوقّع أن تعود أوراقي من بين رماد النظام السابق، كان لدي يأس منها وصار عندي حيرة عنها، يدفعني من حولي بأن أنشرها عاجلاً، ولا أدري بعد ماذا سأفعل بها".

يتابع: "أمّا عن التعديلات فتبدو لي ضرورة موجعة، ليس من باب تزوير التاريخ وتحريفه، ولكن من باب لجم الخيال الفاجر الذي يكسر كل المحرّمات، فبين جدران السجون يتمرّد الخيال على كل الضوابط والممنوعات، وهذا لا يدخل في باب الرقابة الذاتيّة وإنّما هو مراعاة للذوق العام والصورة الفنيّة لنص ينتمي لجنس الرواية والسيرة، إنّ الكتابة في السجن هي فعل مقاومة وتمرّد ضد سلطة تقمع، سجنوني لأنّني كنت أكتب نصوصاً لاذعة باسم "أبي ذرّ الغفاري"، والمفارقة أنني في السجن كتبت باسمي الحقيقي معلنا هويتي".

حين ينظر خليفي في مشهد أدب السجون في تونس، يعتبر أنه "ليس هناك تكافؤ بين التجارب السجنيّة التي عيشت في تونس والمنشور من أدب السجون، فهناك أجيال من المثقفين ذاقت السجون والتنكيل والتعذيب، ولكنّ هذه الأجيال لم تنتج نصوصاً أدبيّة باستثناء بعض الكتابات تميّزت بالفرادة الأدبيّة والطرافة الفنيّة".

يرى خليفي أنه "بعد الثورة صار هناك شغف لدى كثير من التونسيين لمعرفة ما حصل للمناضلين وأصحاب الرأي عبر سيرهم الذاتيّة، لأن تلك الأدبيات تمثل ذاكرة للشعب التونسي وصفحة من تاريخ البلاد التي يُراد لها أن تُطوى بلا توثيق وتحقيق".

المساهمون