وقفة مع عماد المي

25 سبتمبر 2019
(عماد المي)
+ الخط -
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي، في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. ينشغل المسرحي التونسي بتأصيل مسرح ينطلق من الركح الكبير للواقع إلى الركح الصغير، كما يقول في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- كل شيء يشغلني، فمن يختار طريق الفن والإبداع يكون مشغولاً بكل شيء من أبسطه إلى أكثره تعقيداً، ولا يهمل في انشغاله ما هو تافه أو ما هو راق، ما هو جيد وما هو سيّئ، ما هو حقيقي وما هو مزيَّف، ما هو حق وما هو باطل. باختصار كل المتناقضات تشغلني وكل المجالات تعنيني، فمثلاً أتابع المشهد السياسي كمتابعتي للمشهد الثقافي والاقتصادي والاجتماعي وكل حيوات الناس تهمّني، ومشاكلهم ومشاغلهم هي مشاكلي ومشاغلي.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر عمل صدر لي هو عرض مسرحي بعنوان "صديقي نيتشه أو المنحرفون" وهو من توليفي وإخراجي ضمن "ورشة التفكير والبحوث المسرحية" في "المركز الجامعي للفنون الدرامية والأنشطة الثقافية بتونس"، وهو عمل تحصّل في آب/أغسطس الماضي على جائزة العمل المتكامل ضمن "المهرجان الدولي للمسرح الجامعي" في مدينة المنستير التونسية، وسيكون حاضراً في الدورة 13 لـ"المهرجان الدولي للمسرح الجامعي" بطنجة الذي سينعقد من 21 إلى 26 تشرين الأول/أكتوبر 2019، هذا إضافة إلى مواصلة تقديم سلسلة من العروض لمسرحية "الرهوط أو تمارين في المواطنة" في العراق وبوركينا فاسو وأميركا اللاتينية وكندا، ستتواصل عروض هذه المسرحية إلى 2021. أما العمل القادم فسيكون منطلقه في مدينة ليون الفرنسية ضمن ورشة في الكتابة الدرامية تهدف إلى خلق تواصل وتقارب بين بلدان وشعوب وثقافات مختلفة من خلال الكتابة المسرحية، وهو مشروع بعنوان "في فجر ليلتين" من تنظيم مؤسسة "أرت دريمز" ومؤسسات أخرى. ويضم المشروع مجموعة من الشباب المبدع من بلاد مختلفة ويسعى إلى خلق مشاريع فنية وتطويرها. وسأشتغل خلال الورشة على مشروع بعنوان "من نحن" يتناول مسألة نظرية ما بعد الحقيقة وخطر العالم الافتراضي الذي حوَّل المجتمعات المعاصرة إلى مجتمعات فرجة، ومن ثمّ تلاشت الحقيقة والواقع وحل محلها واقع افتراضي يقوم على محركات جديدة مثل مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وإنستغرام وغيرها، مقابل ذلك أخذ التواصل الحقيقي والمباشر بين الناس يتلاشى.


■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- أنا راض لأنني لا أخلد إلى الاطمئنان، فأنا أول ناقد لنفسي ولتجاربي، كما أنني أصغي جيّداً للآخر الذي نحتاجه دوماً كمراقب وناقد شرس لنا من دون حقد وكراهية. أنا دائم التساؤل ولا يهدأ لي بال تجاه تطوير عملي، وهو ما يجعلني صعباً مع نفسي إلى أبعد الحدود، بل قاسيا عليها أحياناً. يأتي كل ذلك من قناعة بأن الفن مسؤولية كبرى ووعي حاد وفكر حر لا يقبل المساومة، وهذا يتطلب معاناة وقسوة وجدية ومعرفة متنوعة، فما بالك بفن مسرحي ينطلق من الركح الكبير (الحياة، الواقع، ما هو كائن) إلى الركح الصغير (الركح المسرحي بما يجب أن يكون فكراً وجمالاً وذوقاً). المسرح حرفة شاقة جداً.


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- لو قيض لي الاختيار من جديد لسرت في نفس المسار، لأن مساري يُشبهني وصغته بنفسي وأفتخر به، بحلوه ومرّه. لست من المتّنكرين لذواتهم.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أحلم بعالم فيه من الحب أكثر من الكره. وأن يكون المثقف والمفكر والعالم على درجة من النقاء والصفاء والنزاهة، مما يجعلهم يكونون أكثر قرباً من شعوبهم لتقديم الإضافة الحقيقية بعيداً عن التسلَق والزيف والمنفعة التي تجعل منهم نخباً مزيَفة وكاذبة تخدم مصالح معيّنة مقابل تواجدها الزائف من خلال حصولها على بعض الامتيازات. أحلم بأن تكون مثل هذه النخبة المثقفة قائدة لمجتمعاتها نحو النور والرقي والجمال وحب الحياة وحب الناس لبعضها وتساهم في نشر الوعي وتطويره.


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- أودّ لقاء الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه لأشكره عما تركه من أثر فكري وفلسفي، وأسأله كيف توصَّل لفكرة العود الأبدي ولفكرة الإنسان الأرقى، وهي أفكار نحن في حاجة لها اليوم.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- أعود إلى رواية "زوربا اليوناني" للكاتب اليوناني نيكوس كزانتزاكيس، وأيضاً إلى "هكذا تكلم زرادشت" لفريديريك نيتشه.


■ ماذا تقرأ الآن؟
- بصدد قراءة كتاب "مجتمع الفرجة" للمفكر الفرنسي غي ديبور الذي نشره سنة 1967 وتطرّق فيه إلى مجتمع وصفه بمجتمع الفرجة أو مجتمع العرض أو الاستعراض، وخلق من خلال هذا الكتاب جدلاً وتحليلاً للثقافة الاستهلاكية التي تطغى على مجتمعات العصر الحديث بتحريكٍ من الإعلان، والتلفزيون، والأفلام، والمشاهير. تلك الثقافة الاستهلاكية التي أصبح فيها "تسليع" الأشياء ممتداً لجميع نواحي الحياة، بدءاً بالسياسة والاقتصاد ومروراً بالمسرح والفنون والفكر والثقافة، وانتهاءً بالعلاقات الشخصية، فأصبحت المعلومة الشخصية تُباع وتُشترى ويتم الترويج لها لعرضها واستهلاكها كالسلعة تماماً، ولو كان ديبور على قيد الحياة حتى يومنا هذا فإنه من المؤكد أن يتطرق إلى مجتمع الاستعراض الحالي ليشمل كلّ ما يحدث على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ممن تعمل على تسليع أفكارنا، وعواطفنا، وآرائنا، وأصدقائنا، وتفاصيل حياتنا اليومية. ولحلَّل أيضاً كيف أن الأخبار وكل شيء بات يعتمد على القدرة على تجميع أكبر عدد من الإعجابات على شبكات التواصل الاجتماعي، وكيف أن الواقع تحوّل إلى واقع افتراضي وتواصل افتراضي حتى أصبح البشر عاجزين عن التواصل المباشر في الواقع.


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أسمع الأغاني القديمة على غرار أم كلثوم وفريد الأطرش ووديع الصافي، وأيضاً إلى الأداء الآلاتي لموسيقى الأغاني القديمة. أقترح عليكم سماع شيء من الموسيقى الأمازيغية، وموسيقى وأغاني الغجر.


بطاقة
مخرج وباحث وممثل مسرحيّ تونسي من مواليد سنة 1984. حاصل على الأستاذية في الدراسات المسرحية من "المعهد العالي للفن المسرحي" بتونس، والماجستير في الفلسفة من "المعهد العالي للعلوم الإنسانية" بتونس. من أعماله: "قانون الجاذبية"، و"الإنسان هو الإنسان"، و"دين دين"، و"حب ومسرح"، و"المنير أو موتى بلا قبور"، و"الرهوط أو تمارين في المواطنة"، و"صديقي نيتشه أو المنحرفون" (الملصق).
المساهمون