أدب الأتراك: الجيرة والجفوة

05 ديسمبر 2014
إحدى حملات "السفربرلك" في فلسطين (الحرب العالمية الأولى، 1914)
+ الخط -

لم يكن ناظم حكمت تركياً حين قرأنا سيرة حياته في كتاب حنا مينه: "ناظم حكمت وقضايا أدبية وفكرية". كان ناظم السجين السياسي، والعاشق لمنور، زوجته (وقد صدمت مشاعرنا حين عرفنا أنهما افترقا بعد خروجه من السجن)، والأممي العابر للهويات الوطنية. أما حين ترجمتْ مختارات من شعره، فقد اقترب منّا كمناضل وحسب، لا كمجدّد في شعر اللغة التركية.

كان التاريخ، المكتوب منه، في دروس المرحلة الثانوية عن الاحتلال العثماني، أو الشفهي، في تجنيد "السفر برلك" الذي مضى إليه أجدادنا، يربض متجهماً ومثقلاً بسرديات تفتقر إلى التشويق والرغبة في إعادة التعارف مع الجيران، فيما أضافت التحالفات السياسية للأتراك حرداً ثقافياً تسبب في توسيع الجفوة. غير أن عزيز نيسين سرعان ما تحول إلى "حمّى"، بعد ترجمة أولى مجموعاته القصصية وروايته "زوبك" إلى العربية.

بدا نيسين اكتشافاً سعيداً للقارئ السوري، وربما العربي، أنهى بضربات متتالية من قصصه الساخرة، قلق المسافة التاريخية بيننا وبين الأدب والثقافة التركيين. وقد أقول بكثير من الجرأة إنه لم يحظ كاتب عربي، بحضور مماثل لعزيز نيسين في أحاديث البيوت. فمن المعتاد أن نلتقي كل يوم بمن يعيد تسمية الأحداث، أو الأشخاص، منسوبة إلى أحداث أو شخصيات في قصصه.

أعتقد أن نيسين غدا التتبيلة اللذيذة التي فتحت شهية المترجم والناشر العربيين على المائدة الأدبية التركية، وكان للروائي يشار كمال حصة القادم الجديد بعد نيسين. أظن أن انتشار يشار كمال في السبعينيات مستمد من ميوله اليسارية، ومن كتاباته الحافلة بشخصيات ذات منحى بطولي، كما في روايته "ميميد الناحل". وبينما تمكن عزيز نيسين من خلق حالة إبداعية في الأدب السوري، إذ نشرت العشرات من التجارب القصصية التي انتمت إلى ما سمي الأدب الساخر، بعد تسجيل حضوره، فإن كمال مضى دون أثر.

كانت رواياته تفتقر إلى الدعم الفني القادر على خلخلة أو تحريض الإبداع الروائي، ولم تكن حكمة الحياة، أو تجربة النضال، كافيتين لمنح أدبه سمة المعلَم في سنن التجريب الأدبي. وهو الأمر الذي امتلكه بقوة كل من أورهان باموك ونديم غورسيل.

فعلى الرغم من الغموض الذي يلف تجربتها، حظيت رواية باموك "اسمي أحمر" بترجمتين متقاربتي التوقيت في سورية. وفي مقابل الحضور الشعبي (وثمة من يقول الشعبوي) لنيسين، لاقت روايات باموك، ونديم غورسيل أيضاً، ترحيباً واهتماماً في أوساط القرّاء، بعدما ترجمت معظم أعماله إلى العربية.

الحقيقة أن باموك قد أحدث صدمة إيجابية في ثقافتي (لا أعرف، بعد، أثره في الثقافة العربية) الشخصية؛ فهذا كاتب غير عربي يقارب في رواياته العمق الإسلامي، مثيراً الكثير من الأسئلة عن العلاقة بين التاريخ والراهن، والفرد والثقافة الدينية؛ في الوقت الذي لم أطلع على مثيل لهذه القراءة إلا في القليل من الروايات العربية.

المساهمون