الجوائز الأدبية في الجزائر: هوس الرواية

09 فبراير 2019
(تجهيز لقادر عطية، تصوير: بيتر ماكديارمِد)
+ الخط -

أتى حينٌ على المشهد الثقافي الجزائري كاد يخلو فيه من أيّة جوائز أدبية بارزة، بعد اختفاء عددٍ من الجوائز التي لم تُعمّر لوقتٍ طويل في الأساس؛ مثل: "مالك حدّاد للرواية العربية" في 2007، و"أبوليوس" التي كانت تمنحها "المكتبة الوطنية" في فترة مديرها السابق أمين الزاوي، و"جائزة المكتبيّين" التي نُظّمت ضمن "معرض الجزائر الدولي للكتاب" لفترةٍ وجيزة، وجائزتَي "الهاشمي سعيداني للرواية" و"مفدي زكريا المغاربية للشعر" اللتين كانت تمنحهما "جمعية الجاحظية" قبل رحيل مؤسّسها الروائي الطاهر وطّار.

لم تختفِ ظاهرة الجوائز تماماً؛ إذا استمرّت "جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب" التي تمنحها وزارة الثقافة منذ 2007 في عددٍ من المجالات الأدبية والفنية، إلى جانب جوائز تُنظَّم ضمن ملتقياتٍ أدبية محليّة في غير ما مدينةٍ جزائرية، وتُعدّ متواضعةً؛ سواء من حيث قيمتها المادية أو المعنوية.

فجأةً، برز توجُّهٌ لإطلاق عددٍ من الجوائز الأدبية. كانت البداية مع "جائزة محمّد ديب للرواية" التي أطلقتها "جمعية الدار الكبيرة" في 2014، ثمّ "جائزة آسيا جبّار للرواية" التي أطلقتها مؤسّسةٌ تابعة لوزارة الثقافة في 2015، ثمّ تلتهما جوائز أُخرى؛ مثل "الطاهر وطّار للرواية" التي أطلقتها "جمعية نوافذ" الثقافية" العام الماضي وأُعلنت نتائج دورتها الثانية قبل أيّام قليلة، و"يمينة مشاكرة للرواية" التي أُطلقت نهاية العام الماضي أيضاً، إضافةً إلى "الجزائر تقرأ للإبداع الروائي" التي أطلقتها "دار الجزائر تقرأ"، والتي أَعلنت، مؤخّراً، عن إطلاق جائزة أخرى للرواية التي يكتبها مؤلّفون تقلّ أعمارهم عن خمسة وعشرين عاماً.

اللافت في تلك الجوائز هو تعدُّد الجهات التي تُطلقها بين مؤسّساتٍ رسمية ودور نشرٍ عامّة وخاصّة وجمعيات ثقافية، وإن كانت الأخيرة تعتمد غالباً على الدعم الحكومي، وأيضاً انفتاح معظم الجوائز على اللغات الثلاث الأكثر استعمالاً في الجزائر: العربية والأمازيغية والفرنسية.
ملاحظةٌ أُخرى تفرض نفسها، خلال الحديث عن الجوائز الكتابية في الجزائر، تتمثّل في النزوع إلى مجال الرواية حصراً (يحمل معظمها أسماء روائيّين راحلين)، في حين تكاد تغيب مجالاتٌ إبداعية أخرى؛ كالشعر والقصّة القصيرة، فضلاً عن الفكر والنقد والترجمة.

اللافت أيضاً هو تواضُع القيمة المادية لمعظم تلك الجوائز مقارنةً بجوائز عربية وعالمية؛ إذ لا تزيد قيمة أكبرها عن خمسة آلاف دولار. ربّما كانت هذه الجزئية غير ذات أهميّة كبيرة، لو أن القائمين عليها يُتبِعون توزيع المبالغ المالية على الفائزين بحملات ترويجٍ لأعمالهم أو ترجمتها إلى لغاتٍ أُخرى. غير أن ذلك غير موجودٍ إلى اليوم.

هنا، ربما يجب التوقُّف قليلاً عند "جائزة يمينة مشاكرة"، التي أُعلنت نتائج دورتها الأولى قبل أيّام؛ إذ يُؤخَذ على الجائزة الجديدة إفراطها في نسويّتها؛ فهي لم تكتف بقصرِ المشارَكات على الكاتبات، بل ضمّت لجنةُ تحكيمها، أيضاً، كاتباتٍ فقط. قد يكون تخصيص جوائز للمرأة عادياً في مجالاتٍ أُخرى، لكنه ربّما لن يكون كذلك حين يتعلّق الأمر بالأدب الذي يُفتَرض أن تكون الجودة هي المعيار الأوّل في تقييم نصوصه، وليس جنس كاتبه.

لعلّه نوعٌ من التمييز الذي لا يُثير حفيظة أحد. وبالتأكيد، كان سيُعتبر الأمر تمييزاً لو أُطلقت جائزة أدبية تستثني النساء من المشاركة فيها. والطريف أن القائمين على الجائزة اختاروا لها اسم روائيةٍ (1949 - 2013) لم يُعرَف عنها أنها كانت كاتبةً نسوية.

كيف نقرأ هذه "الوفرة" في مجال الجوائز الأدبية؟ ولماذا تكاد تقتصر على الرواية دون أنماط الكتابة الأخرى؟ وما القيمة المضافة التي تُقدّمها للمشهد الأدبي الجزائري؟

ينظر الروائي الجزائري، محمد جعفر، إلى التوجُّه الحميم لعددٍ من المؤسّسات الرسمية لإطلاق جوائز أدبية، بعين الريبة؛ إذ يعتبر، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن "إدراك المؤسّسة الرسمية في الجزائر أهميةَ الجوائز ودورها في تحقيق الاصطفاف وتوجيه الكتّاب والقرّاء جعلها تعلن، في السنوات الأخيرة، عن أكثر من جائزة وطنية، خصوصا في الرواية؛ الفن الذي يقوم أساسا على نقد الواقع، مع استحداث مجموعةٍ من الشروط التي تكبّل الكاتب وتقيّد حريته وتكبح حجم المناورة التي كان يمتلكها، كما تهدف من وراء ذلك إلى التقليل من حجم وأهمية الأعمال التي تتعرّض للوضع الراهن بالنقد، فاسحةً المجال لأعمال مهادنة أو تاريخية أو تدور في بيئة غير البيئة الجزائرية".

هنا، يُشير صاحب "هذيان نواقيس القيامة" إلى شروط تلك الجوائز، بالقول: "أحد بنود الجوائز الوطنية هو عدم المساس بمقدّسات ورموز ومعتقدات الدولة، وهو ما يُضيّق المجال أمام الأعمال التي تنتقد الراهن أو تقترب من الطابوهات".

في المقابل، يرى جعفر أنه "ليس هناك أيّ اهتمام جدّي بفكرة الجائزة الدولية، كون نتائجها لا تصبّ في صميم انشغالات المؤسّسة الرسمية. وهكذا يبدو جلياً أن الجوائز تمثّل أكبر خطر يُحدق بالكتابة الروائية بعدما طوّعت الكاتب، وجعلته قريباً من سياساتها، وبعيداً كل البعد عن الإشكالات والمآزق الراهنة".

أمّا الكاتب والناشر كمال قرور، فيعتقد أن من شأن تعدّد الجوائز الخاصّة بالرواية، في ظلّ غياب استراتيجية واضحة المعالم والرؤى، أن تنتهي إلى "حالةٍ مرضية مستعصية"، لتنعكس في النهاية سلباً على الثقافة والمشتغلين فيها. وبرأي صاحب "حضرة الجنرال"، فإن غالبية الجوائز الموجودة اليوم "تستقطب الأسماء نفسها، وتثير في كلّ مرّةً حروباً، بدل أن تخدم المشهد الثقافي".

ويدعو قرور إلى استحداث جوائز تشجيعية وتحفيزية في مختلف مجالات الفنون والإبداع، ولكلّ الفئات العمرية، ابتداءً من المدرسة، إضافةً إلى جوائز دولة تقديرية تُمنح في كلّ المجالات الإبداعية.

من جهته، يلفت الكاتب والمترجم سعيد بوطاجين، إلى أن التركيز على الرواية وإهمال مجالات الكتابة الأخرى يبدو أمراً محيّراً، خصوصاً أن ذلك لا يقتصر على الجوائز بل ينسحب، أيضاً، على الدراسات النقدية والمذكّرات الجامعية، مستطرداً: "ربما كان لذلك علاقة بالدعاية، وبجماعات الضغط الموجودة على عدّة مستويات، ومن ذلك الإعلام والجامعة".

ويختم صاحب "اللعنة عليكم جميعاً" بالقول: "حضور الجوائز، إن كانت تحتكم إلى لجان كفؤة ومحايدة، قد يُسهم في تطوير الرواية. أمّا إذا كانت تُؤسَّس على خلفيات غير أدبية، فإنها تُلحق ضرراً كبيراً بالمشهد، وهذا حاصل اليوم وسيحصل لاحقاً. مع هذا فإن وجودها ضروري لتقوية السرد وفرز الجهود والإشادة بمن يستحق ذلك".

من جانبه، يعتبر الكاتب أحمد عبد الكريم أن الزخم الحالي يبدو إيجابياً، لكنه أفرغ الجوائز من قيمتها؛ بحيث لم تعد بالضرورة تعبيراً عن استحقاق النص، مضيفاً: "لا يمكن التأسيس لثقافة الجائزة بعيداً عن إرساء تقاليد في مجالات النشر والقراءة والنقد والترجمة وسواها. أمّا هذا التهافت والتقليد الذي يفتقد إلى معايير واستراتيجيات، فلن يذهب بنا بعيدا".

أمّا الكاتبة جميلة طلباوي، التي فازت بـ"جائزة يمينة مشاكرة" عن روايتها "قلب الإسباني"، قبل أيّام، فتعتبر أن الجوائز ظاهرة صحية في أيّ مشهد أدبي، لكنها تضيف: "المفترَض بعد فوز عملٍ أدبي بجائزة ما أن ترتفع نسبة مقروئيته، فيُقبل عليه القرّاء والنقّاد، ويُترجَم إلى لغات أخرى. لكن الجوائز في الجزائر تفتقد إلى ذلك، وهو ما ينبغي تداركه".

من جانبه، يطرح الكاتب والناشر بشير مفتي تساؤلاً عن إطلاق مؤسّسات عمومية تابعة لوزارة الثقافة جوائز تحمل أسماء كتّابٍ لم تكن علاقتهم طيّبة مع السلطة وظلّت مغيّبةً عن المشهد الثقافي طويلاً؛ مثل محمد ديب وآسيا جبّار، معتبراً أن ذلك قد يُفهَم على أنه "محاولة استيعابٍ لتلك الأسماء بعد رحيلها، من دون أن يعني أنه تكفيرٌ عن الذنب، لأن السلطة مستمرّة في ممارساتها ضدّ من لا يسير في ركبها".

وعن رأيه في كثرة الجوائز الخاصّة بالرواية، يقول صاحب "دمية النار": "رغم كثرتها، هناك مؤسّسة واحدة تقف وراءها جميعاً. وهذه الكثرة لا تعكس، في رأيي، اهتماماً بحركية الإبداع الروائي في بلادنا، بقدر ما تدخل في الاستعراضية التي تمارسها المؤسّسة الثقافية وهي تقوم بمهامها المستمرّة في الاحتواء والاستيعاب والتوجيه. وبدل أن تكون عندنا جائزة واحدة كبيرة وذات مصداقية، جرى تمييع المشهد بعشرات الجوائز النمطية والمشكوك في مصداقيتها".

المساهمون