تمثّل الأزياء مادةً غنية للدراسة في حقول متعدّدة حيث ترتبط بالتحوّلات الكبرى في نمط الإنتاج وانعكاساته على ثقافة المجتمعات البشرية، كما أنها تشير إلى التراتبية الطبقية والتمايزات بين الشرائح المختلفة، وكذلك في حضور المعتقدات والميثولوجيا وتأثيرها على ما يرتديه الفرد.
"منسوجات الخلفاء والسلاطين: المنسوجات الإسلامية المبكرة من مصر" عنوان المحاضرة التي يلقيها أستاذ تاريخ فن العالم الإسلامي والباحث البريطاني جوشن سوكولي، عند الخامسة من مساء السبت المقبل، الثامن عشر من الشهر الجاري، في "جمعية أصدقاء الآثار والتراث" في عمّان.
يوضّح المحاضِر كيف بدأت الدولة العباسية بممارسة هيمنتها الثقافية من خلال مضامين وأشكالِ كتابية وزخرفية احتوتها منسوجاتهم، من أجل توثيق صلة الأطراف بمركز الخلافة وكيف أصبحت هذه الملابس تعبّر عن مراسيم بروتوكولية أو صفة رسمية لمرتديها من المسؤولين، وكانت قد سبقتها محاولات خلال العهد الأموي حين أمر عبد الملك بن مروان التنبّه إلى النقوش على العملات المعدنية والبرديات وصناعة العقيق التي تم تناقلها عن اليونانيين لتُظهر بعداً عربياً إسلامياً خلال مراسلاته مع شقيقه عبد العزيز حاكم مصر.
ويشير أيضاً إلى أهمية الأزياء التي تحتفظ مصر إلى اليوم بآلاف القطع منها التي نُسجت بين القرنين الحادي عشر والتاسع عشر، في الاطلاع على العديد من التعليمات والقوانين التي أقرّتها السلطة في بغداد، ثم التي تشكّلت في القاهرة، وكيف فُرضت أشكال وأنواع معينة من تلك الأزياء التي أصبحت تقليداً يتم اتباعة في مناسبات سياسية واجتماعية ودينية.
يعود سوكولي إلى دراسة سابقة له بعنوان "المنسوجات والهوية"، حيث يشير إلى التغيّرات التي بدأت تطرأ في هذا المجال منذ فتح مصر خلال القرن السابع المبلادي، والفروق بين عصر وآخر في تصميم اللباس فظهرت مثلاً رموز عديدة تتصل بادعاء الفاطميين نسبهم للنبي محمد خلال فترة حكمهم، بالاستناد إلى مؤرخين إسلاميين مثل المقريزي والأزرقي وغيرهما.
يلفت الباحث إلى المواد التي كان تصنّع منها أزياء الخلفاء والسلاطين ومصادرها، حيث قدم بعض منها مزخرف بالذهب مع تصاوير حيوانية من الصين، وأخرى نُسجت في مصر وعليها نقوش مستمّدة من طبيعتها وثقافتها، أو آتية من بلاد الشام أو فارس أو خراسان.
يتطرّق سوكولي إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأقوال المأثورة التي كانت تنفش على أردية الحكّام والولاة وقادة الجيش، ومناسبات استخدامها ووظيفتها المتمثلة في تثبيت السلطة ونفوذها لدى العامة، إلى جانب وظيفتها الجمالية.