"الحاقدون الثمانية": تارانتينو يعود إلى الغرب الأميركي

01 مايو 2016
(مشهد من الفيلم)
+ الخط -

من الأمور الكثيرة التي يسهل توقّعها عند الحديث عن عمل جديد للمخرج الأميركي كوينتين تارانتينو (1963)؛ عشقه الدائم لتفاصيل العنف؛ دماء تسيل ورؤوس تتفجّر ومشاعر الانتقام المتأجّجة تسيّر الحدث وتتحكم بالصورة، كل هذا إلى جانب حرصه على العمل بأسلوبه الفني الفريد، والذي اعتاد عليه مشاهدوه.

لكن ما يصعب توقّعه حقاً، هو مستوى إبداعه الذي يمكّنه في كل مرة من الإتيان بأفلام متجدّدة في إبهارها رغم أنها تستخدم تقنيات ووسائل وحيل معتادة.

في فيلمه الجديد "الحاقدون الثمانية" The Hateful Eight، يكون تارانتينو قد أنجز ثمانية أفلام، وربما ناسب هذا العنوان رؤية بعض النقاد لأفلام تارانتينو التي لا تعدو أن تكون بالنسبة إليهم، مجرّد لعب فوضوي بالكاميرا، وانتشار غير مبرر لبرك الدماء، لكن صاحب "اقتل بيل" صنع لنفسه اسماً ومكانة كبيرة في عالم السينما بهذه التفاصيل نفسها التي يعترض عليها البعض. ويكفي أنه يُعتبر من بين قلائل في تاريخ السينما الذين يملكون أسلوباً خاصاً في صناعة الأفلام، ورؤية فريدة تميّزهم عن غيرهم ممن يقفون خلف الكاميرا.

هذه المرة أيضاً، يقدّم فيلم "ويستيرن" تدور أحداثه في القرن التاسع عشر؛ يختار أن يغيّر عنصراً مهماً من ثوابث هذه الثيمة، عندما يستبدل الصحراء والجبال الصخرية بالثلوج والعواصف، التي كانت فاعلة بشكل أساس في قصة الفيلم.

لكن هذا العمل ينتسب في تفاصيل كثيرة إلى هذا النوع، خصوصاً بعض الروائع مثل "ذات مرة في الغرب" أو "ذهب مع الريح" أو "الطيب والقبيح والبشع"، وهذا ينطبق حتى على خط الكتابة الذي أنجز به العنوان وقائمة أسماء طاقم العمل، أو حتى طريقة الفصل بين المشاهد، وصولاً إلى اختياره التصوير بكاميرا 65 ملم، وهي التي تسيّدت حقبة أفلام الغرب الأميركي.

يجتمع "الحاقدون الثمانية"، وطريقة اجتماعهم هي أحد أهم عناصر الجمال والتشويق في الفيلم، حيث يعترض ماركوس وارين (أداء صامويل جاكسون) عربة صائد الجوائز جون روث (أداء كيرت راسل) المعروف بلقب رَجل المشنقة؛ لأنه لا يقتل المطلوبين للعدالة بل يقتادهم أحياء من أجل تنفيذ الحكم بإعدامهم.

جون يقتاد هذه المرة ديسي دامارغو (أداء جينيفر جيسون لي)، ويسمح روث للعقيد ماركوس وارين بمرافقتهما بعدما وجدوه على الطريق، ثم يلتقي الثلاثة بنفس الطريقة السابقة بكريس مانيكس (أداء والتر جوغينس) ويسمح له روث بمرافقتهم أيضاً. وبعد وصول العربة إلى متجر السيدة ميني لقضاء الليلة والاحتماء من العاصفة الثلجية القادمة، سيجدون هناك أربعة مسافرين آخرين، اتضح أن شقيق دامارغو استأجرهم لتحريره من قبضة جون روث.

بدأت الشكوك تحوم حول الجميع خصوصاً في غياب صاحبة المتجر. وبانكشاف خطة شقيق دامارغو يبدأ إطلاق النار في كل الاتجاهات فيسقط الجميع باستثناء كريس مانيكس وماركوس وارين، اختلفت طرق الموت لكنها لم تخرج عن السيناريوهات المعتادة لتارانتينو.

كاد المخرج الأميركي أن يتخلى عن فكرة إنجاز الفيلم، بعدما تسرّب نصّه، لكنه سيعود عن قراره هذا، ويقرّر أن ينجزه، من كتابة النص إلى السيناريو فالإخراج، بعد دعم كبير من صامويل جاكسون، وسيتعاون مرة أخرى مع مدير التصوير روبرت ريتشاردسون الذي سبق أن انضم إلى تارانتينو في أفلام أخرى مثل "اقتل بيل" و"دجانغو الطليق" و"أوغاد بلا مجد".

لكن فريق العمل، الذي كلّف إنتاجه 44 مليون دولار، واجه صعوبة كبيرة، بسبب إصرار تارانتينو على استخدام كاميرا 65 ملم التي أعطت بالفعل نتائج مبهرة في المشاهد الخارجية، لكنها كانت معقدة ومتعبة عند الانتقال إلى العمل على المشاهد الداخلية.

للمرة الأولى، استطاع تارانتينو إقناع الموسيقار إنيو موريكوني بتأليف موسيقى الفيلم، وللمفارقة سيحصل الأخير على جائزة الأوسكار الأولى في مسيرته عن عمل يجمعه مع مخرج لم يكن يرتاح كثيراً لأفلامه، وكان يتحفّظ كثيراً عند الحديث عن العمل معه. حوارات تارانتينو ظهرت أحياناً وكأنها ثرثرات زائدة، خصوصاً عند تكرار نفس الألفاظ والعبارات ليس فقط في هذا الفيلم، ولكن في أفلامه السابقة أيضاً.

لذلك فليس غريباً أن يلاقي هذا العمل مثل باقي أعمال تارانتينو نفس المآخذ والانتقادات المكرّرة؛ من أنه مجرّد صانع أفلام منسوخة عن بعضها أو أنه مهووس بتصوير العنف. لكن الفيلم حقق أيضاً إشادات كبيرة جعلت الكل يتمنى ألا يتوقف تارانتينو عند بلوغه العشرة أفلام مثلما كان قد صرّح في السابق.

المساهمون